حصيلة يوم امس لحالة كورونا في البلد وما سبقها من أوضاع وتداعيات متسارعة في الأيام الماضية لا تترك مجالا للتريث ولا التردد: الوضع أخطر كثيرا مما نتصور! فعدد الوفيات والإصابات اليومية بلغ حدا خلال ال 24 ساعة الأخيرة لم يكن أحد يتوقعه منذ أسابيع: ثمانية مواطنين لقوا حتفهم و296 أصيبوا بالجائحة؛ أي: ما يقارب 10 وفيات و300 مائة إصابة. ولا شك أن هذه الحصيلة المخيفة تبقى دون مستوى الخطر الحقيقي نظرا لقلة فحوص الكشف التي يتم القيام بها : 1512 فحصا خلال اليوم الأخير اقتصرت على أناس تظهر عليهم اعراض المرض بينما لم يفحص المخالطون. اما اجراء فحوص عشوائية جماهيرية، فهيهات، هيهات!
ومما يزيد الوضع خطورة-إضافة إلى العدد القليل للفصوص بالنسبة لما تستدعيه الأزمة الوبائية الراهنة-فإن سلوكنا العام، الجمعي والفردي، لا ينذر بتحسن سريع؛ بل على العكس : الحصيلة قد تبلغ حدا اسوء – لا قدر الله- إن نحن بقينا على نفس الطريقة التي نتعاطى بها الآن مع الوباء.
التضحيات الاقتصادية لا مفر منها...
فرغم خطورة الحالة الوبائية، فإن احترام الإجراءات الاحترازية ما زال ناقصا كثيرا إن لم يكن معدوما لدى الأكثرية الساحقة من الناس وفي جل الأماكن والمحلات، عمومية كانت أم خصوصية.
ولا شك أن حظر التجول قرار وارد؛ لكنه لا يكفي وحده. بل ينبغي أن تصاحبه إجراءات أخرى شجاعة وجريئة تساهم في تفعيل الإجراءات الوقائية التي تقوم على إدراك الازمة الصحية ومدى خطورتها والتفاعل معها على ذلك الأساس بحزم وعزم. وفي هذا الصدد فلا مفر من تضحيات جسام كما هو الحال في البلدان التي مرت أو تمر بموجات وبائية بحجم الموجة التي نعيشها. طبعا النشاط الاقتصادي والاجتماعي والثقافي سيكون أول متضرر. لكنه بقدرما تأخرنا في التصرف أو ترددنا ، تفاديا أو خوفا من اكراهات لا مفر منها في هذا المجال، فإن العواقب الوخيمة والتداعيات السلبية ستكون أشد وأمر.
الإسراع في الحصول على اللقاح المناسب...
كغيرها من الدول، تعمل السلطات الموريتانية جاهدة من أجل الحصول على لقاح مضاد لكوفيد 19. ويبدو انها قطعت خطوات لا يستهان بها في هذا السبيل: اعلن حسب بعض المصادر عن 800 ألف جرعة سيتم اقتناؤها في ظرف وجيز. ومع أننا لا نعرف نوع ولا طبيعة اللقاح المذكور، إلا أننا نتوق إلى أن يكون فعالا وملائما لظروفنا المناخية وامكانياتنا التكنولوجية والمالية. لأن لقاحات عديدة متنوعة تم الإعلان عن جاهزيتها: صينية، امريكية، روسية... إلخ.
وهي تتفاوت من حيث خصائصها الفنية ومن حيث ظروف تخزينها واستخدامها. منها مثلا اللقاح الأمريكي الذي بدأ استخدامه يوم أمس في الولايات المتحدة وفي كندا. ويبدو أن فعاليته الوقائية ضد كوفيد 19 عالية جدا، حيث تقدر بأكثر من 95%. إلا أن عمليات نقله وتخزينه في وسط حراري أقل من 60 درجة تحت الصفر تتطلب آليات لوجستية من الصعب جدا على بلادنا توفيرها. ولا شك أن السلطات الوطنية المعنية على دراية تامة بالمشكلة وستعمل على ضوء ذلك. الشيء الذي لمْ ولنْ يمنعنا من التنبيه إلى الأمر، كما كنا ننبه ونحذر دائما من موجة وبائية مثل التي تضرب بلادنا اليوم. فعسى ربنا أن نلقى هذه المرة آذانا صاغية.
... اللقاح مع عدم التهاون في الإجراءات الاحترازية
نعم نطلب من الله العلي القدير أن نلقى آذانا صاغية بفضلها ستتمكن بلادنا من الحصول على اللقاح الملائم ومن تعزيز وتشديد الاجراءات الاحترازية بشكل يسمح في مرحلة أولى بإضعاف وتيرة انتشار الوباء بأسرع ما يمكن وبتوقيفها أخيرا. وهنا طبعا يجب أن نتفادى الغلط الفادح المتمثل في أي تهاون من شأنه اهمال الاجراءات الاحترازية او أي تخفيف منها غير مبرر تحت ذريعة الحصول على اللقاح أو تراجع اعداد الإصابات، خاصة عندما تكون الإحصائيات المتوفرة تفتقد إلى المصداقية بسبب قلة فحوص الكشف اليومية كما كان الحال عندنا وما زال إلى يومنا هذا.
فعلينا أن نعي أن الوباء توطن في بلادنا وفي العالم ولفترة من الزمن لا يعلم أحد مداها. فالتعايش معه أصبح إلزاميا علينا، فرادى وجماعات. وهذا التعايش يعني أولا وقبل كل شيء التعايش مع الإجراءات الاحترازية التي ينبغي التقيد بها: بالتباعد الاجتماعي، بحمل الكمامات الواقية، بنظافة اليدين، بتطهير المحلات والأدوات...
تكاتف الجهود.. وعدم ركوب الموجة...
خطورة الحالة الوبائية وما آلت إليه الآن كان من المفروض العمل من اجل تفادي هذا كله رغم أن الأمر صعب وأن موجة كوفيد19 الجديدة طالت بلدانا كثيرة بعضها يمتلك قدرات بشرية وتقنية ومالية تفوقنا كثيرا. وشهدت تلك الدول دعوات إلى محاسبة القائمين على الأمر. وقد لقيت تلك الأصوات الغاضبة استجابات متفاوتة. ولم تخل ُبلادنا من أصداء من هذا النوع من التذمر غير أنها ما زالت خافتة نوعا ما. ورغم ضعفها، فينبغي على القائلين بها أن يعلموا أننا بحاجة في الوقت الراهن إلى تكاتف الجهود بدل بعثرتها وإثارة خلافات وصراعات تقتضي منا الظروف عدم الانشغال بها حتى نتجاوز الأزمة الوبائية الراهنة وما لها من تداعيات مختلفة وخطيرة: صحية، اقتصادية، اجتماعية... إلخ.
وهذا لا يعني طبعا عدم المساءلة ولا عدم تحديد المسؤوليات. وإنما يجب الكف عن رفع شعارات أو بث خطابات لا تساعد بالضرورة على تجاوز المحنة. بل ينبغي على ممن يتحينون الفرص السياسية أو يصطادون دواعي الإثارة- من سياسيين أو صانعي وناشري رأي- تفادي ركوب موجة كورونا الراهنة التي يعاني منها البلد. كما يجب عدم ركوب موجات أخرى مريبة قد تشغلنا عن مكافحة الوباء أو تبعثر جهودنا.
البخاري محمد مؤمل (اليعقوبي)