عن الذراع السياسي للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني

اطلعتُ على التصريح الصحفي الذي نشرته بعض المواقع يوم الجمعة 11 أكتوبر،  وهو التصريح المتعلق باجتماع ليلي انعقد في منزل القاضي "فاضيلي ولد الرايس"، وحضره عدد من البرلمانيين الحاليين والسابقين ووزراء سابقين وشخصيات أخرى، وكان الهدف من هذا الاجتماع مناقشة أهمية خلق أداة حزبية فعالة تشكل ذراعا سياسيا لرئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني.

إن توقيت هذا الاجتماع، وطبيعة الشخصيات المشاركة فيه، والقضية التي تم اختيارها كموضوع للنقاش. إن كل تلك الأمور لتستوجب تقديم الملاحظات السريعة التالية:

الملاحظة الأولى : التوقيت الخطأ

إن أهمية اختيار التوقيت المناسب عند اتخاذ أي قرار مهما كان هي مسألة في غاية الأهمية، وفي بعض الأحيان قد يكون القرار صائبا ولكنه عندما يتم اتخاذه في توقيت غير مناسب، فإنه يتحول إلى قرار سيء وخاطئ.

لم يكن التوقيت الذي اختارته (مجموعة 23) بالتوقيت المناسب، وذلك لجملة من الأسباب:

ـ لقد تأخر هذا الاجتماع عن الوقت الأنسب إعلاميا، واستبق الوقت الأنسب سياسيا. لقد كان التوقيت المناسب إعلاميا هو أن ينعقد هذا الاجتماع كردة فعل فورية على حملة التشويش التي ظهرت بعيد تنصيب الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، والتي تجلت في : إصدار قناة الموريتانية لبيان في يوم 7 أغسطس 2019 وصفت فيه رئيس الجمهورية بالرئيس الجديد؛ تأكيد الناطق الرسمي باسم الحكومة في يوم 15 أغسطس 2019 وفي أول مؤتمر صحفي له بأن الحكومة الجديدة ما هي إلا امتداد واستمرار للحكومة في عهد الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، والذي تم وصفه في المؤتمر بفخامة رئيس الجمهورية؛ تأكيد نائب رئيس الجمعية الوطنية في مقابلة بثتها قناة البرلمانية في يوم 20 أغسطس 2019 بأن الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز هو من سيختار خلال المؤتمر المنتظر رئيس حزب الاتحاد من أجل الجمهورية؛ تصريحات الوزير الأول السابق..كان من الأنسب أن ينعقد هذا الاجتماع بشكل فوري بعد حملة التشويش تلك، وبما أنه لم ينعقد في ذلك الوقت، فقد كان من الخطأ أن ينعقد الآن بعد أن توقفت حملة التشويش على الأقل ظاهريا، خاصة وأن الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز ومنذ أن ترك السلطة لم يظهر منه أي موقف أو أي تدخل يهدف إلى إرباك المشهد السياسي وإلى خلط الأوراق.

لقد تأخر هذا الاجتماع عن الوقت الأنسب إعلاميا، كما أنه استبق الوقت الأنسب سياسيا، فعلى المستوى السياسي فإن العمل كان يجب أن ينصب في هذه الأيام على أن تحتل الواجهة التي تدين بالولاء التام للرئيس الحالي المناصب التي سيتم تجديدها داخل هيئات الجمعية الوطنية، وكذلك المناصب القيادية  داخل هيئات حزب الاتحاد من أجل الجمهورية إن تم تنظيم مؤتمره الموعود. ومن المؤكد بأن تحقيق مثل ذلك يحتاج لخطاب حزبي جامع، لا لخطاب صدامي بين أنصار الرئيس الحالي والرئيس السابق.

الملاحظة الثانية : الأشخاص الخطأ

أن ينعقد هذا الاجتماع في منزل القاضي "فضيلي ولد الرايس"، والذي كان يدعو وإلى وقت قريب ـ وبشكل مبتذل ـ  لخرق الدستور وللتمديد للرئيس السابق، وأن يكون أغلب الحاضرين لهذا الاجتماع عبارة عن شخصيات محترقة سياسيا، وذلك بعد أن بدلت ولاءها أكثر من مرة وبدون خجل لأكثر من رئيس. أن ينعقد هذا الاجتماع في منزل القاضي "ولد الرايس"، وأن تحضره تلك الشخصيات، فمثل ذلك لن يخدم لا سياسيا ولا إعلاميا الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، وإنما سيخدم المصالح الخاصة والضيقة لمن حضر لهذا الاجتماع.

إن أي مبادرة داعية لتشكيل ذراع سياسي للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني كان يجب أن يقودها النواب الرافضون للتمديد، فأولئك النواب هم من يمتلك داخل الأغلبية الشرعية الأخلاقية والسياسية للدعوة لاجتماع من هذا النوع. 

لستُ على صلة بمبادرة النواب الرافضة للتمديد، ولا أعرف إن كانت هذه المبادرة لا تزال متماسكة أم لا، ولكني أستغرب قبول بعض أعضائها حضور مثل هذا الاجتماع وغياب البعض الآخر من أعضائها، فلماذا تقبل هذه المبادرة التي هي الأكثر تأهيلا لأن تقود حراكا من هذا النوع أن تتفكك وأن تكون جزءا من مبادرة يقودها بعض دعاة التمديد؟ ألا يوجد في مبادرة النواب الرافضة للتمديد بعض الأوجه النظيفة والوازنة شعبيا والمؤهلة ـ أكثر من غيرها ـ  لأن تكون هي المجموعة القائدة لتشكيل أي ذراع سياسي داعم للرئيس غزواني؟

 من مصائبنا في هذه البلاد أن روج المبادرة تكون دائما ضعيفة جدا لدى الشخصيات الأنظف سياسيا، وتكون عالية جدا ـ أي روح المبادرة ـ  لدى الشخصيات الأكثر احتراقا على الصعيد السياسي

الملاحظة الثالثة : الأسلوب الخطأ

إن على من يريد أن يشكل ذراعا سياسيا داعما للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني أن يتبنى من قبل أي شيء آخر نهج الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني في الحكم، وهو النهج القائم على الابتعاد عن الصدامية والتأزيم، والمعتمد أساسا على الانفتاح على الجميع :

ـ الانفتاح على كل الأغلبية الداعمة : ويظهر ذلك من خلال تشكيل فريق رئاسي من المكلفين بالمهام، وقد مُثلت في هذا الفريق كل التشكيلات الداعمة، وبما فيها تلك القادمة من المعارضة.

ـ الانفتاح على المعارضة : ويظهر ذلك من خلال استقبال كل قادتها ورموزها في القصر الرئاسي، والاستماع لهم، كما يظهر كذلك من خلال دعوة زعيم المعارضة الدستورية لكل الأنشطة التي حضرها الرئيس، وإعطائه المكانة المناسبة له أبروتوكوليا.

إن على من يريد أن يشكل ذراعا سياسيا للنظام الحالي أن يتبع نهج الرئيس غزواني في الحكم، ولا أعتقد بأن (مجموعة 23) قادرة على تبني ذلك النهج، فأغلب أعضائها ما زال يفكر بعقلية تقليدية ترى بأن المعارضة ليست شريكا في الحكم، وإنما هي "شرذمة من الخونة"، وترى بأن الرئيس يجب أن يبقى منغلقا على دائرة ضيقة من الداعمين الذين يعتمدون على أسلوب التطبيل والتصفيق، لا على أسلوب النصح وتسويق الإنجازات.

خلاصة القول

إن هذا الاجتماع قد جاء في "التوقيت الخطأ"، وبقيادة "الأشخاص الخطأ"، ووفق "الأسلوب الخطأ"، فعلى من يبحث بجد وصدق عن مصلحة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني وعن تثبيت أركان حكمه، أن يعمل في الوقت الحالي من أجل أن يكون تجديد هيئات الجمعية الوطنية وانتخاب هيئات حزب الاتحاد من أجل الجمهورية إن تمكن الحزب من عقد مؤتمره أن يكون تجديد  تلك الهيئات سواء في الجمعية أو في الحزب لصالح الرئيس غزواني، أي أن يتولى قيادة تلك الهيئات أشخاص يدينون بالولاء للرئيس غزواني لا لغيره، وأن يكونوا في الوقت نفسه يتمتعون بسمعة سياسية مقبولة.

يجب أن تبقى تلك هي أولوية المرحلة لمن يسعى بصدق لمصلحة الرئيس غزواني، هذا إذا لم تظهر حملة تشويش جديدة، وإذا لم تظهر أي محاولة من الرئيس السابق للتدخل. أما في حالة ظهور أي شيء من ذلك، فإن أولوية المرحلة يجب أن تكون حينها الدعوة لتشكيل حزب سياسي جديد ولحل البرلمان.      

حفظ الله موريتانيا..

محمد الأمين ولد الفاضل

[email protected]

سبت, 12/10/2019 - 12:07