ليسَ سراً أن "منظومة" التعليم العالي تخضع منذ نشأتها لسيطرة لوبيات معينة، الأمر الذي أثّر بشكل سلبي على مردودية تلك المنظومة التي كانت ولاتزال حبيسة مناهج قديمة أثقلت كاهل الاقتصاد الوطني بكتلة الرواتب الضّخمة التي تُدفع دون مقابل، ناهيك عن مئات الخريجين سنوياً الذين لاتتوفر فيهم معايير المنافسة التي تتطلبها سوق التشغيل المحلية، فالتعليم العالي بهذا المنطق أصبح جزءاً من المشكل الاجتماعي والاقتصادي وحتى الأمني الذي تعانيه موريتانيا.
لقد أثر اختطاف التعليم العالي في البلد على كل مناحي الحياة، ورغم أن الأنظمة المتعاقبة على السلطة كانت على دراية بالتحديات التي يشكلها تعليم تحتكره فئة قليلة هدفها هو الحصول على امتيازات على حساب المجتمع، إلا أن تغلغل لوبيات التعليم العاليفي كل المفاصل الحيوية للسلطة حال دون اتخاذ أية إجراءات عملية بهذا الخصوص.
فمنذ نشأت الجامعة وإلى اليوم لم تتغير مناهجها التعليمية بشكل يستجيب للتطورات الحاصلة في العالم، سواء تعلق الأمر بمناهج البحث أوباستخدام التقنيات الحديثة في البحث العلمي، فلم تكن المناهج سوى اجترار لأطاريح أعدها أستاذة في ثمانييات أو في تسعينيات القرن الماضي لاتخضع لأي رقابة تربوية، ربما الثابت الوحيد هو حرص أساتذة التعليم العالي على أن يبقوا قِلةً تستطيع الاستفادة بسهولة من كل الامتيازات الممنوحة للقطاع.
والمفارقة الكبرى أنه في معظم أقسام الجامعة فتحت وحدات للماستر ومدارس للدكتوراه، لذا كان من المفروض أن يتضاعف عددأساتذة التعليم العالي بشكل يستجيب للمتغيرات الحاصلة في جامعة نواكشوط العصرية، ويمنح مصداقية علمية وتربوية للوحدات الجديدة، لكن العكس هو ماحدث تماما، وكأننا مازلنا في بداية الثمانينيات من القرن الماضي.
اليوم يواجه وزير التعليم العالي الدكتور سيدي ولد سالم موجة استياءعارمة من قبل الطلبة من جهة وبعض الموظفين الذين تخول لهم القوانين الترقية لرتبة أستاذ مساعد في الجامعة من جهة أخرى، ظنا منهم أن ولد سالم هو السبب في كل ماحصل ويحصل في قطاعه، وقد ساهمت الصورة التي رسمها الإعلام عن الوزير في تكريس رؤية لا تخلو من عدم الدقة في كل حيثياتها.
ولاشك أن غياب خلية إعلامية في وزارة التعليم العالي تشتغل بحرفية أثّر هو الآخر على صورة وزير استطاع أن ينجز الكثير، رغم بعض المآخذ، فقد وضع منهجا محكما لتوزيع الطلبة على الكليات وأقسامها حسب معدلاتهم، كما حاول وضع معايير للاكتتاب تم اختطافها من قبل رؤساء الأقسام وعمداء الكليات الذين بدؤوا بتحضير أقاربهم بشكل مسبق للتتوفر فيهم معايير للاكتتاب، الأمر الذي ساهم في إقصاء العديد الكفاءات بحجة أن الوزير رفض منح التدريس لغير الأساتذة الرسميين، والحقيقة أن الطواقم التربوية والإدارية في الجامعة أساءت عمدا إلى الوزير من خلال استغلالها السيء لبعض تعليماته الموجهة إليهم.
عموماً يعتبر وزير التعليم العالي مجرد واجهة للوبيات تشتغل في نطاق عصي على الاختراق، وهذا يعني أن تغيير الوزير لن يغير من واقع لايريد له أصحاب القرار أن يبرح مكانه، لذا أعتقد أن الدكتور سيدي ولد سالم كان ضحية لتصرفات لوبيات نافذة في قطاعه ولصورة نمطية رسمها إعلام قد لاتكون الموضوعية أحد أهم أهدافه بالضرورة.
د. أمم ولد عبد الله