
بعيدا عن السياسة وبعيدا عن الشراكة الاقتصادية، وأكثر بعدا كذلك من التحالفات الامنية والاستراتيجية انعقدت قبل أيام في انواكشوط قمة لاكثر
من اثنين وعشرين دولة افريقية مطلة كلها على الأطلسي ومنضوية تحت ما يعرف بمعاهدة ابيدجان لحماية البيئة البحرية، ومع ذلك ومن منظور استراتيجي فان تفعيل الزر الجيوبولتيكي لهذه المعاهدة يمكن أن يجعلها عنوانا لكتلة
افريقية أطلسية يحسب لها حسابها في موازين النفوذ والسيادة البحرية .
الدول الغربية تحب انشغال الدول النامية بالهم البيئي، وأبواب الدعم في هذا المجال شبه مفتوحة، وتشجيع التحالفات في هذا السياق هو من السياسات التقليدية المتبعة، والا لكان اجتماع مندوبين عن أكثر من خمسة وعشرين دولة افريقية تمتد على طول الساحل الاطلسي انطلاقا من موريتانيا حتى جنوب افريقيا، لكان اجتماع كهذا مثيرا للقلق والحذر ..لو كان هذا الاجتماع مثلا من أجل التنسيق الاقتصادي والتجاري لكان مثيرا للغضب و مدعاة للتنديد ، ولو كان اجتماعا من أجل التنسيق العلمي والتقني لكان بكل تأكيد مدعاة للتهجم والتثبيط، أما لو كان اجتماعا للتنسيق الامني فسيكون محط الانظار والمراقبة الدقيقة ..ولكنه عن البيئة البحرية ،عن التلوث البحري ، والتنوع البيولوجي ، ونظافة الشواطيء..وتلك القضايا الطيبة السلمية التي لا خشية منها على النظام الدولي ونمط الحياة الغربية..
ولكن ماذا لو كان هذا التجمع هو بالفعل تحالف اقليمي متماسك يعيد رسم الجيوبولتيك الاطلسي من منظور افريقي مستقل ؟
ماذا لو فكر الافارقة فيه مستقبلا من منظور غير بيئي أو على الاصح من منظور يتخذ البيئة مدخلا الى الجيوبولتيك ودعامة لها وهو ما يجب أن يكون بالفعل،
أليس واردا أن هذه الدول تمسك فعلا بنواة مهمة لتحالف أطلسي جنوبي يوازي في الوجاهة تحالف شمال الاطلسي، وبامكانها أيضا امتلاك سردية بحرية منافسة على الاقل اطاريا حتى وان غابت الدعامة العسكرية لذلك، أليس هذا مدخلا للمنافسة الجيوبولتيكية وضربة لسردية الهيمنة الاحادية على المحيطات ؟
ان المكاسب في هذا السياق كثيرة فتوحيد الخطاب الافريقي فيما يتعلق مثلا بالممرات البحرية الافريقية يعزز الخطاب التفاوضي في كافة المجالات السياسية والاقتصادية بما يقتضيه ذلك من حماية للثروات البحرية والطاقية وما يتطلبه من مواجهة لنهب الصيد، التلويث، وقواعد الهيمنة العسكرية المباشرة .
لقد أثبتت اتفاقية ابيدجان وتألق موريتانيا فيها أن موريتانيا بلد عربي بالمصطلح، ولكنه أيضا بلد أطلسي بالموقع وأنه لن يتألق ويشع الا حيث يكون في موقعه المناسب يقوم بالدور الذي تمليه الجغرافيا والبيئة والتضاريس والمناخ..
إن الجغرافيا السياسية هي ابنة الجغرافيا الطبيعة، فلا يستطيع أي بلد أن يحقق سيادته البحرية أو البرية عبر روابط التاريخ أو الثقاقفة المنبتة من أواصر الجغرافيا الراسخة الاركان في مكانها منذو الأزل .
لقد لفت نظري مثلا وقد كنت حاضرا لفعاليات المؤتمر طوال أيامه أن المغرب بالرغم من اطلالته على الاطلسي لم يكن ممثلا في الاجتماعات، فهو ليس طرفًا في اتفاقية أبيدجان.. وقد ناقشت بشكل عرضي مع أحد الخبراء البيئين هذا الغياب البيئي، ولكن هذا الغياب مع ذلك ليس عرضيًا، بل يعكس توجه المغرب الاستراتيجي المغاير لتوجه هذه البلدان والذي تمليه عليه جغرافيته الخاصة ، فهو بلد من شمال الأطلسي سياسيًا واستراتيجيًا، يربطه تحالفً وثيقً بمؤسسات حلف شمال الاطلسي والاتحاد الأوروبي، ويؤدي دوره ضمن منظومة أمن البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي الغربي.. وفي المقابل، وكما هو معلوم لا علاقة لاي دولة افريقية غير عربية بالبحر الابيض المتوسط فهو بحر أبيض بكل معاني الكلمة