في الأخلاق

(...) آه ما أحوجنا في هذا الظرف ـ الدقيق ـ إلى ردّ اعتبار للأخلاق والقيم ، عبر مبادرات تسلط الضوء الكاشف على الجوانب الإيجابية فى أخلاق الموريتانيين، تحت شعار «الخير موجود بداخل كل شخص، لكنه بحاجة إلى مَن يكتشفه»، وهو أمر أحسبه يتم عبر مبادرات ورؤى تركز على ترسيخ بعض القيم مثل التعاون والشعور بالآخر وفهمه وقبوله، والمحبة فى أسمى معانيها، والإنصاف ـ لا بالمعنى الحزبي الضيق ـ فى أجلى معانيه، والعمل فى إتقان وإخلاص، والإيثار الذى يجلب لنا فضيلة «إنكار الذات» شبه الغائبة عن تصرفاتنا، في جلها ، وكذلك الاتزان النفسي تفكيرا وإبداء

  إن مثل هذه المبادرات تمس وترًا مهمًّا فى الحياة الموريتانية الراهنة، حيث تعاني الرؤى والسياسات ـ إن وجدت ـ فقرا مدقعا فى الوعى الأخلاقي، رغم أنه مشغل قديم فى ثقافتنا العربية الإسلامية، قُدمت فيه إسهامات بارزة، أضيفت إليها أطاريح مفكرين فى الزمن الحديث والمعاصر، أدرك أصحابها أن «الدين المعاملة»، وأن قيمة «الرحمة» فى الإسلام   تؤسس لأخلاق رفيعة نعين على فهم مقاصدي للدين أهدافا وغايات.                                                                                        

 

أعلم أن الظروف الاقتصادية الصعبة تدفع جل الناس إلى سعار تنسى معه تعاليم ديننا الحنيف، ويدار الظهر للتقاليد والأعراف، وما يُوجِبه الحس السليم، الذي يحمى المجتمع من الغرق فى أتون صراع مفتوح.                                                  

 

يكفى لأى منّا أن يرى كيف يتصرف الناس، ويسمع ما يتلفظون به فى الشوارع والأسواق والمتاجر وأماكن العمل ليدرك غياب و تغييب الأخلاق قولا وفعلا.                                                                                                      

 

وتصبح الصورة أكثر مأساوية وقتامة، حال تصفح مواقع التواصل الاجتماعيحيث يتقيأ جل الموريتانيين، على صفحاتها الكثير من نفايات الكلام والتعرى وجرح الخصوصية، والتلصص والتشفي، وإثارة الأحقاد وتصفية الحسابات والانتقام.  

وحتى لا تكون آهاتنا مجرد أمنيات أو ينبغيات، لا بد من تحديد مسالك حيال تحقيق هذا التصور والالتفات إلى الأخلاق، بحيث تنتقل من صفحات الكتب وقاعات الدرس إلى رحاب المجتمع، عبر التعليم ومناهجه، والتثقيف وأدواته، والإعلام وقنواته، ومؤسسات المجتمع المدني ومشروعاتها.

أظن الشعب الموريتاني فى حاجة ـ أكثر من أي وقت مضى ـ إلى مبادرة أخلاقية تأتى فى ركاب ثورة فكرية آن الأوان لإطلاقها بشمولية ورسوخ، ودون تردد. يقول جبران " لن تأخذ معك سوى عملك ولن تتركإلا أخلاقك وسمعتك فاحرص على حسن العمل والخلق".

وهنا استحضر سؤال انديرا غاندي والدها الزعيم "جواهر لالنهرو" ماذا يحدث في الحرب؟ رد والدها: ينهار التعليم والاقتصاد. قالت: وماذا يحدث بعد انهيار التعليم والاقتصاد؟ أجابها والدها: تنهارالأخلاق. قالت: وماذا يحدث أيضاً لو انهارت الأخلاق!؟ رد عليها بمنتهى الحكمة: وما الذي يبقيك في بلد انهارت أخلاقه؟ يستطيع الإنسان أن يعيش في أي مجتمع فيه بعض النقص الغذائي والاقتصادي والترفيهي.. إلا انعدام الأخلاق والسبب: أنه يسود اللئام والسفلة وتذهب الأعراف والقوانين والخير ويتحول كل شيء إلى غابة وبهذا تصبح الحياة الكريمة شبه مستحيلة! — من مذكرات "انديراغاندي".        

 

 قارئى الكريم ...                                                                                                                                      

علينا استحضار أن الكذب قتل للحقيقة...والسرقة قتل للأمانة ... والخيانة قتل للحبوالوفاء... والغش والفساد قتل للشرف والنزاهة في المجتمع...والوقاحةوقلة الأدب قتل للأخلاق والاحترام والمبادئ والقيم...فكل ذميمة أخلاقيةجريمة قتل للمبادئ والفضائل الأخلاقية، فليكن كل منا مستحضرا جرائمه حيال هذا المجتمع المنكوب في سلطاته التنفيذية والقضائية والتشريعية. المنكوب في نخبته مع بعض الاستثناءات التي تؤكد القاعدة.

 

والله من وراء القصد

 

ا. د. أحمدو عبد الدائم انداه

 كلية العلوم القانونية والسياسية

محام لدى المحكمة العليا

ثلاثاء, 27/05/2025 - 15:19