كشفت وثيقة صادرة عن إدارة الأمن القومي الإسبانية أن موريتانيا أصبحت، للمرة الأولى، المصدر الرئيسي لانطلاق المهاجرين غير النظاميين إلى السواحل الإسبانية، متجاوزة بذلك الدول التقليدية مثل المغرب والجزائر.
التقرير، الذي تم إصداره يوم الخميس 22 مايو الجاري، يرسم صورة مقلقة لحدوث تحول كبير في خريطة الهجرة غير الشرعية، وسط تحديات أمنية متزايدة وضغوط دولية متصاعدة.
وبحسب البيانات الرسمية لوزارة الداخلية الإسبانية، انطلق من السواحل الموريتانية نحو 25,081 مهاجرًا خلال عام 2024، وهو ما يفوق العدد الإجمالي للمهاجرين المغادرين من المغرب (13,217) والجزائر (12,038) معًا. يعكس هذا التفوق العددي تحول موريتانيا من نقطة عبور ثانوية إلى مركز أساسي في طريق الهجرة الأطلسية نحو جزر الكناري.
كما شهدت جزر الكناري، البوابة البحرية الرئيسية لإسبانيا من إفريقيا، استقبال 46,843 وافدًا في نفس العام، مما يمثل زيادة بنسبة 17.4% مقارنة بعام 2023. وأما جزر البليار، فقد سجلت ارتفاعًا غير مسبوق بنسبة 158.3%، لتصل إلى 5,882 وافدًا.
ويشير التقرير الأمني إلى تغير واضح في طرق الهجرة، إذ بات "المسار الأطلسي" يتنافس مع مسارات البحر الأبيض المتوسط من حيث الأهمية. ومع الإغلاق الجزئي لنقاط المغادرة في ليبيا وتونس، أصبحت شبكات الهجرة في موريتانيا والسنغال الخيار الأنسب لتنظيم الرحلات نحو أوروبا، لا سيما في ظل ضعف الموارد الرقابية وتوسع الأنشطة غير النظامية.
يحذر التقرير من أن "الوضع الأمني الهش في منطقة الساحل"، خاصة مع تزايد النفوذ الروسي في مالي ومحيطها، يهدد بتغذية الهجرة ويضع موريتانيا في قلب أزمة متشعبة الأبعاد، حيث تواجه ضغوطًا دولية تهدف إلى استخدام تدفقات الهجرة كورقة ضغط جيوسياسية.
وفي هذا السياق، يلقي التقرير الضوء على دور مدينة أغاديز في النيجر كمعبر تقليدي للهجرة من الجزائر، مشيرًا إلى استعادة نشاطها بعد فترة من الركود.
على الرغم من الجهود التي بذلتها نواكشوط لتعزيز الرقابة الحدودية وتنظيم المعابر، إلا أن التقرير يشير إلى أن هذه التدابير "لا تزال قيد التقييم"، وسط استمرار التحديات المرتبطة بتدفقات اللاجئين الماليين داخل الأراضي الموريتانية وتقلص الدعم اللوجستي الأوروبي الموجه لبلدان العبور.
يتجاوز التحول الأمور العددية ليشمل أيضًا التركيبة السكانية للمهاجرين. فقد أصبحت إفريقيا جنوب الصحراء المصدر الرئيسي للمهاجرين، حيث يمثل القادمون منها 72% من مجمل الواصلين، مقارنةً بـ 62% في عام 2023. وكان الماليوون تصدّروا هذه القائمة بـ 15,261 مهاجرًا، يليهم السنغاليون (11,824)، ثم الجزائريون (9,552) والمغاربة (6,945).
في ظل هذه التطورات المستجدة، تواجه موريتانيا اختبارًا معقدًا يتضمن ضغوطًا أمنية، تحديات إنسانية، وإكراهات اقتصادية. فالسؤال المطروح هو: هل ستتمكن موريتانيا من ضبط حدودها البحرية قبل أن تتحول إلى ساحة صراع مفتوح بين شبكات التهريب ومصالح الدول الكبرى؟