الطريق إلى الدولة الفاشلة

قرّر أحد التجار الطامحين للثراء السريع دون مشقة كبيرة أن يستورد و يوزع الأدوية المزورة و المؤثرات العقلية ، فاتصل بالمُصدرين واتّفق معهم على تفاصيل الصفقة، ثم اتّجَه إلى بعض أقاربه النافذين في الدولة، من وزراءَ و قادةِ أمن و نواب ، طالباً المساعدة في تسهيل دخول الحاويات التي تحمل موادَّ غذائية وقد أُخفيت داخلها البضاعة الخطيرة بعناية.

استجاب "المسؤولون" لطلب قريبهم و سعوا في قضاء حاجته ، ولم يكن لهم بُدٌّ من ذلك، فالموظف منهم يدرك أن للقبيلة فضلا في تعيينه و يرجو تدخلها ليترقى في المناصب، و النائب يعرف حاجته لأصوات أفراد القبيلة و يُعَوّل على تبرعاتهم السخية لتمويل حملاته الانتخابية، و هم جميعا على قناعة بأن هذه هي الطريقة الطبيعية و أن تقاليد الإدارة في البلاد قائمة على الوساطة و العلاقات الشخصية، ومن دونها لايمكن لأحد أن يحصل على أبسط حقوقه.  

 

نجح التاجر الطموح في إدخال بضاعته القاتلة بيُسر، و عمِل على إقامة علاقات وثيقة بمجموعة كبيرة من الموظفين، قائمة على "المنافع" المشتركة و "الخدمات" المتبادلة ، حيث حرص على أن يقدم لهم مكافآت مجزية و أن يجتهد في تلبية مطالبهم، وبذلك استغنى عن وساطة الأقارب و أصبح أحد النافذين في مجال استيراد و توزيع المواد المحرمة.

 

فتح صاحبنا مخازن ضخمة و صيدليات و محلات تجارية في مختلف جهات الوطن، و نظرا للعلاقات الواسعة التي بناها و للخبرة الطويلة و ما أقام من بنية تحتية و وسائل لوجستية فقد قرر توسيع أعماله لتشمل التجارة في السلاح و المواد المخدرة.

 

ومع كثرة الصفقات و تضاعف الأرباح لم ينس التاجر المثابر أهله و قبيلته و جيرانه، فأعان المحتاجين منهم و عالج المرضى ووظف العاطلين، وأغدق المال على الشعراء و الفنّانين و الصحفيين والمدونين، فتصدّر المجالس و صار له أتباع و حلفاء ، و ترشح للانتخابات ففاز و دخل البرلمان ممثلا للشعب ، و حمل جواز سفر دبلوماسيا وأصبح يدخل مكاتب الوزراء وكبار مسؤولي الدولة متى أراد. 

 

وبفضل نفوذه القوي و شبكة علاقاته الواسعة في دوائر صنع القرار تمكّن صاحبنا من إغلاق كل تحقيق يفتح عند اكتشاف أدوية مزورة أو موادَّ مخدرة أو أسلحةٍ غير مرخصة قبل أن يقترب منه، و إسكات و تحييد كل موظف من يحاول عرقلة تجارته أو التعنت و التشبث بالقانون ، بالترغيب أحيانا و الترهيب أحيانا أخرى. 

 

على غرار تاجرنا هذا قد يلج عشرات المواطنين عالم تجارة الممنوعات مستعينين بقرنائهم في الخارج، فيكسبوا أموالا طائلة تخولهم بسط سيطرتهم على كل مفاصل الدولة عبر أذرع طويلة في الأحزاب السياسية و الحكومة و القضاء و الأجهزة الأمنية، وبهذا تتعطل وظائف الدولة و تسلك الطريق المؤدية للفشل و تسقط في أيدي عصابات الجريمة المنظمة.

 

إن وصول الدولة إلى مرحلة الفشل و التفكك لا يتطلب كبير تخطيط ولا يحتاج مؤامرات خارجية من جهات معادية، بل يكفي الاستخفاف بالقوانين و النظم و إسقاط هيبة المؤسسات ، والتهاون والتهيب من مواجهة الفساد حتى يتغلغل في كل مفاصل الدولة و يصبح اقتلاعه غير ممكن، وحينها سيخسر الجميع.

 

سيدي محمد ولد أحمد طالب 

 

سبت, 10/05/2025 - 00:33