بعد أيام قليلة، يعود الصحراويون إلى مخيماتهم بهضبة لحمادَه، تاركين مَعْبَر الكركارات لمرتاديه، لتعود الطماطم إلى رحلتها الشيقة داخل أنفاق أجوافنا النهِمة.
وشيئا فشيئا، تصمت القضية، فيصيبها البحح لفترة أخرى، وتعود المينيرسو إلى تلقي الرواتب الضخمة عن مجرد شرب النبيذ المعتّق في فيفاء لم تزل تباكرها رياح اليحموم.
وعلى مدى سنوات، سيرقص عفاريت الشر على وتر التغاضي عن حل النزاع بالطرق السلمية ووفقا لمقتضيات القانون (مهما كان الطرف الرابح) لأن تأثير القضية على الاستقرار والوحدة والسلم بالمنطقة لا يعني أي شيء بالنسبة لرُعاة الأمم المتحدة، لذلك سيخيّم الصمت في النهاية، وسوف نسارع إلى التصفيق لذلك الصمت، فقط لأن الطماطم فينا لا تحب الضوضاء.
وعلى مدى أيام، سوف نصرخ أمام كل سفارة أو قنصلية إفرنجية، داعين تارة إلى العنف المنبوذ عقلا، وتارة إلى القتل المشجوب شرعا وقانونا، منددين بوقاحة "شارلي أبدو" وبتماديها اللعين في الاستهتار برموز ومقدسات مليارين من البشر. ثم فجأة سيصمت الجميع: يعود هؤلاء إلى بيع القردة والباراستامول المزوّر، ويعود أولئك إلى اصطبلات الأوهام وخيام ضاربات الرمل. ثم يعمّ الصمتُ الأبْلَهُ لفترة غير وجيزة.
حتى الوزير ولد إزيد بيه، بعد أن ملأ دنيا الانترنيت وشغل شارع السياسة، وبعد أن ألقى معلقات "جزلة" يتغنى فيها على نفسه بغزلٍ ماجن، دخل في راحة بيولوجية مفاجئة. ولسبب هو أدرى به، عمّ الصمتُ الرهيب أزقةَ سوق عكاظِه.
الصمت فينا نتيجة قدَرية لا مندوحة عنها. ورغم أننا لا نعدم قلة ممن تعودوا الصراخ، ولو في واد مهجور، سعيا لاسترداد حق ضائع، فإن أصواتنا، في الغالب الأعم، تظل جزءا من منظومتنا الثقافية: تارة للاسترخاء النفسي المؤقت، وتارة لمحاكاة الآخرين، وتارات للاحتجاج الخاطف الساعي للشهرة والباحث عن ثمن.