
من جديد، تعلن بوركينا فاسو إحباط محاولة انقلابية يتخذ مدبروها من كوت ديفوار مقرا ومنطلقا لمخططاتهم. ولعل هذه خامسَ محاولة لإطاحة الكابتن إبراهيم تراوري منذ وصوله للسلطة نهايات 2022.
والمحاولات الانقلابية، أو بالأحرى إعلانُ إفشالها، صدقاً أو ادعاءً، سبب من أسباب البقاء ومورد من موارد الشرعية بالنسبة للأنظمة العسكرية، لا سيما في دول مثل بوركينا فاسو، وشقيقتيها من دول تحالف الساحل (مالي والنيجر)، حيث يسفر الحكم العسكري عن وجهه، وتتوارى أحلام العودة نحو النظام الديمقراطي الشكلي خلف المخاوف الأمنية والطموحات الاقتصادية والنضالات الإفريقانية الكبرى ضد الاستعمار ووكلائه المحليين أفراداً وتياراتٍ ودولاً وتكتلاتٍ إقليميةً. فالمحاولات الانقلابية الفاشلة في الأحكام العسكرية بمثابة الانتخاب في النظام الديمقراطي وأكثر.. إنها ولاية جديدة ونقطة انطلاق يعبأ من خلالها الأنصار من جديد ويغفَر في خضمها للزعيم ما اقترف في سالف أيامه من أخطاء وما شاب حكمه من أوجه قصور، ويُمنح فرصة متجددة لقيادة البلاد.
ومن بين قادة تحالف دول الساحل، يبدو تراوري الأقدرَ على بناء الكاريزما الخاصة به والأحسن استغلالاً لما يُعلن من انقلابات ومخططات لقلب أنظمة الحكم في تحالف دول الساحل. وفضلا عن الإرث الثوري لتوماس سانكارا، تساعد الكابتن حداثة سنه واندفاعه، وأحلامٌ ما فتئت تتخلق في نفوس البوركينابي مذ أطلقها سانكارا قبل أربعة عقود، في بناء شرعية قائمة على الكاريزما والحضور. فحاكم نيامي لا يسعفه التقدم في العمر، ولا القدرات الخطابية المتواضعة، ولا الماضي العسكري المجرد من أي إنجازات ذات بال، في كسب القلوب والنفوس. أما حاكم باماكو، ورغم أنه السابق في ميدان الانقلابات والمواجهة مع فرنسا والإكواس، فقد ظل يعيش متوجساً خلف الأبواب الموصدة حذرا في الحضور والغياب متواريا خلف كمامة كثيفة، رغم انقضاء ست حجج على انقشاع كورونا.
ورغم الشعبية التي تمتع بها تراوري منذ وصوله إلى السلطة حتى الآن، وما رافق الإعلان عن إفشال ما سبق من محاولات انقلابية من هيجان شعبي ومظاهرات، بدا الشارع في واغادوغو هذه المرة أقل توثبا وحماسا وخيفة على الزعيم من يد الغدر والاغتيال.
بابا حرمة