ديناميات التصعيد في سوريا:  سيناريو افتراضي لانزلاق إقليمي محتمل

 تشهد منطقة الشرق الأوسط تقلبات جيوسياسية متسارعة و تداخلًا معقدًا في التحالفات والمصالح، مما يزيد من مخاطر تصعيد عسكري غير منضبط. 
و تُعدّ الساحة السورية، بما تكتنفها من تموضعات عسكرية و تدخلات متنافسة ، نقطة التقاء محورية لهذه التوترات المتصاعدة .
في هذا السياق الحساس، يقدم هذا التحليل تصورًا افتراضيًا تقنيًا لكيفية انزلاق تدريجي قد يفضي إلى مواجهة إقليمية شاملة، انطلاقًا من الأراضي السورية. و بعيدًا عن تحميل المسؤوليات أو إظهار أي انحياز و لو في محله ، يهدف المقال منهجيا إلى تفكيك آلية التصعيد المحتملة عبر رسم سيناريو متسلسل يوضح كيف يمكن لتداخل القرارات العسكرية والسياسية أن يؤدي بشكل تراكمي إلى أزمة إقليمية واسعة النطاق . إن فهم هذه الآلية يكتسب أهمية قصوى في إبراز ضرورة تفعيل القنوات الدبلوماسية وتبني استراتيجيات وقائية فاعلة.

 

 

نظرة استشرافية: مخاطر الانزلاق وآليات التصعيد

 

في ظل هشاشة التوازنات الإقليمية الراهنة، قد تنطلق شرارة التصعيد من خطوة تبدو محسوبة جزئيًا، لكنها تنطوي على تقديرات خاطئة، لتدخل المنطقة بعدها في دوامة من ردود الفعل التصعيدية التي يصعب احتواؤها . 
يمثل السيناريو الافتراضي التالي توضيحًا لكيفية تحول خطوة أولية محدودة إلى سلسلة من التطورات المتلاحقة التي قد تقود إلى أزمة إقليمية كبرى:

 

المرحلة الأولى: تمركز تركي استراتيجي في العمق السوري

 

الحدث:
في ظل تصاعد الهجمات الإسرائيلية داخل الأراضي السورية في الأسابيع الأخيرة ، تُبرم تركيا اتفاقًا أمنيًا شاملاً مع حكومة دمشق .
وبموجب هذا الاتفاق، تتمركز القوات التركية في ثلاث قواعد جوية رئيسية بوسط البلاد ( مطار حماة، تدمر و قاعدة تيفور  (T4)  في محافظة حمص). 
و تقرر أنقرة إنشاء منطقة دفاع جوي نشط بقطر 20 كيلومترًا حول كل من تلك القواعد التي تم تزويدها بأنظمة "حصار" دفاعية جوية متعددة الطبقات. كما تبدأ في إنشاء بنى تحتية لتأهيل وتعزيز هذه القواعد، و تُبلغ تركيا جميع الأطراف الفاعلة في الساحة السورية، بما في ذلك إسرائيل، بهذه النوايا.

 

التداعيات:

تعتبر إسرائيل هذه الخطوة تهديدًا مباشرًا لأمنها الجوي و  تقويضًا لحرية تحركها في الأجواء السورية. وتعلن رفضها لشرعية هذا الاتفاق و الحكومة السورية التي أبرمته ، مؤكدة عزمها على تحدي هذا الحظر الجوي التركي، مما يمهد الطريق لمواجهة أولية.

 

 

المرحلة الثانية : الغارة الإسرائيلية الأولى

 

الحدث: 

تخترق طائرات إسرائيلية مجال  الحظر الجوي حول القواعد الجديدة  و تشن إحداها غارة على رادار تركي حاول الاطباق عليها، بالإضافة إلى موقع مجاور قيد الإنشاء، مما يسفر عن مقتل أو إصابة عدد من الجنود الأتراك.

 

الرد التركي: 
ترد الدفاعات التركية بإسقاط الطائرة الإسرائيلية المهاجمة من طراز (ف_16) ناقلة بذلك الأزمة إلى مستوى جديد من التصعيد فوق الأجواء السورية،.

 

 

المرحلة الثالثة: الرد الإسرائيلي الاستعراضي

 

الحدث:

 في نفس اليوم ، تشن إسرائيل هجومًا واسع النطاق بمشاركة نحوا من مائة طائرة من طرازات (ف15 ، ف16 و ف35)، مستهدفة بطاريات الدفاع الجوي التركية والمنشآت الموجودة في القواعد الثلاثة، مع التركيز على البطارية التي أسقطت الطائرة . يسفر الهجوم عن سقوط المزيد من الضحايا الأتراك، مما يزيد من حدة التوتر بشكل كبير.

 

النتيجة:

تعلن تركيا حالة الاستنفار القصوى. و يُجيز البرلمان التركي اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة للدفاع عن المصالح الوطنية داخل سوريا. ويصدر مجلس الأمن القومي أوامر بإرسال تعزيزات برية و جوية وبحرية إلى الجبهة السورية وإلى شرق البحر الأبيض المتوسط قبالة الساحل السوري. كما يتم نشر بطاريات صواريخ (س400) في ولاية غازي عنتاب على الحدود السورية و ضمن الأراضي التركية المحمية من حلف شمال الأطلسي (الناتو).

 

 

المرحلة الرابعة: تصعيد إسرائيلي مزدوج تجاه سوريا وتركيا

 

الحدث:

ترسل إسرائيل طائرات مقاتلة إلى قواعد في قبرص واليونان، ملوّحة بإمكانية استهداف الوجود التركي في شمال قبرص. بالتزامن، تُنفذ أيضا غارات جوية على منشآت سيادية في دمشق، وتبدأ توغلًا بريًا انطلاقًا من مرتفعات الجولان باتجاه مشارف العاصمة السورية.

 

الرد التركي: 
تعلن تركيا عن عزمها حماية العاصمة السورية جويًا، وتنشر بطاريات صواريخ (س400) في ولاية هاتاي الجنوبية الغربية ، و تُرسل قوات خاصة للمشاركة في صد التوغل الإسرائيلي. كما تُجهز فرقة ميكانيكية للانتشار داخل دمشق لحمايتها مستقبلا ، وتكثف الدوريات الجوية في الشمال والوسط السوري، إلى جانب تحريك الأسطول البحري التركي للانتشار القتالي في البحر الأبيض المتوسط.

 

 

التحرك الدولي: محاولة احتواء شاملة

 

تتحرك الدبلوماسية الدولية بسرعة لاحتواء الوضع المتفجر:

 تتدخل واشنطن وموسكو و بروكسل وبكين، بالإضافة إلى دول عربية فاعلة، للوساطة بين الأطراف ا. تُعقد اجتماعات طارئة في مجلس الأمن الدولي، وتبدأ جهود دبلوماسية عاجلة لكسر حلقة التصعيد وبلورة تفاهمات تمنع الانزلاق نحو حرب إقليمية شاملة، (على نحو ما بدأنا مؤخرا نلاحظ بوادر استباقية له من خلال زيارة كل من وزير الخارجية التركي و رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى واشنطن خلال الأيام القليلة الماضية و اجتماعات أخرى  تركية ـ إسرائلية في باكو بأذربيجان.).

 

استدراك منهجي ضروري:

 

من الواضح أن هذا السيناريو يمثل مسارًا واحدًا من بين احتمالات متعددة. وحتى ضمن منطقه الخاص، فإن تسلسل الفعل ورد الفعل ليس حتميً الحدوث بالضرورة كما ورد في التصور. 
علاوة على ذلك، فإن الساحة السورية تضم أطرافًا فاعلة أخرى بارزة ، في مقدمتها الولايات المتحدة وروسيا، الحاضرتان علنًا، إلى جانب إيران، و القوى العربية الفاعلة (مثل السعودية ومصر وقطر والإمارات العربية المتحدة و جيران سوريا). وبالتالي، فإن ديناميات المشهد أكثر تعقيدًا بكثير من أن تُختزل في ثنائية تركية – إسرائيلية.

 

الخاتمة : تحذير من انزلاق لا عودة منه

 

 يُظهر هذا السيناريو كيف يمكن لتحركات تبدو "محدودة" أن تتحول بالمحصلة ، ضمن ديناميكية متسارعة، إلى مواجهة مفتوحة وواسعة النطاق. ومع تشابك المصالح وتعدد اللاعبين، يصبح تفعيل آليات الاتصال والتنسيق أمرًا ملحًا و ضروريًا. 
فالحذر الاستراتيجي وحده لا يكفي؛ بل المطلوب هو رؤية استباقية تدرك خطورة الخطوة التالية قبل أن تتجاوز المنطقة نقطة اللاعودة.
لكن، ومن منظور ديناميكية المصالح الظرفية للدول، فماذا لو قاربت كل من سوريا وتركيا مصالحهما الحالية مع الأطراف الأخرى وفق حسابات ورؤى قد لا تكون محل توافق بيني او رؤية تضامنية مشتركة؟ 
هنا تكمن مفارقة أخرى تزيد من ضبابية المسار وتستدعي تأملاً مضاعفًا.

 

محمد ولد شيخنا

أحد, 13/04/2025 - 23:20