مابين شح المعلومة والسرية التي تحيط بكل قراراته عجز الفضوليون ،لحد الساعة، عن اختراق جدار الصمت الحائط بالقصر الرمادي، ورغم الشائعات التي تُطلق، عادة، في محاولة لتكريس واقع سياسي معين أو لفرض أصحاب القرار على تبني نهج بيعنه، فإن كل المحاولات التي تصب في هذا المضمار لم تأت أكلها بحسب المتابعين للشأن الموريتاني.
لقد حاولت آليات الإعلام التي تفكر بمنطق العشرية إقناع الرأي العام بأن شيئا لم تغير، وربما نقرأ من تحت السطور تلميح بعضها إلى أننا أمام فراغ في السلطة قد تكون له نتائجه الكارثية، والحقيقة أن صمت أصحاب القرار ساهم في ترسيخ هذه النظرة لدى معظم رواد التواصل الاجتماعي وحتى لدى رجل الشارع العادي الذي يمتهن إعادة تدوير الشائعة حسب ظروفه الاقتصادية، التي لم تشهد تحسنا ملموسا منذ تولي غزواني لمقاليد السلطة.
صحيح أن الرئيس منح وزراءه استقلالية تامة في تسيير وزاراتهم، لكن تلك الاستقلالية تسببت في شبه توقف لقطاعات حيوية وذلك راجع لعدة أسباب، منها ما يتعلق بغياب رؤية واضحة للكثير من الوزراء، وبعضها راجع لحرص وزراء بعينهم على اتباع معايير معينة في تعيين طاقمه، قد لاتخضع بالضرورة لحاجيات الوزارة ذاتها أكثر من إخضاعها لاعتبارات سياسية تعتمد على الجهويةوتكريس مبدأ المحاصصة على أساس فئوي، وهذا مايفسره ضبابية الرؤية في التعامل مع المشاريع الكبرى التي أطلقها الرئيس في برنامج تعهداتي.
ساهم هذا الوضع الذي تحاصره منظومة من السرية، في خلق تذمر بدت ملامحه واضحة في كل مناحي الحياة، فغاب التفاؤل الحذر لدى الطبقات الهشة، التي لجأت إلى العنف في صورة تعكس مؤشرات اليأس من نظام كان الجميع ومازال يعلق عليه آمالا كبيرة، وليست مظاهرات المنقبين في الشامي، واحتجاج أهل تفيريت سوى صورة حية لواقع ينذر بتطورات قد تكون لها ما بعدها .
ولا شك أن أحداثا من هذا القبيل جعلت من رئيس الجمهورية يُعيد النظر في طرق تعامله مع استقلالية وزرائه، الآخذة في الخروج عنالسيطرة وبشكل يهدد حياة الفئات الأكثر فقراً، وتظهر بعض القرارات التي لم تكن متوقعة دور رئيس الجمهورية في ضبط إيقاع استقالية الوزراء، مثل إلغاء الضريبة التي سنها عمدة تفرغ زينه على مواقف السيارات، والتعجيل بإغلاق مكب تفيريت الذي وصف الناطق باسم الحكومة قضيته بأنها "شائكة وتتطلب دراسة من عدة جوانب".
إن اتخاذ قرارات بشكل جمع بين الفورية وسرعة التطبيق سيصب حتما في مصالح المواطن البسيط وسيجنبه روتيناعرَّض وسيعرض حياة الكثير من المواطنين للخطر، كما تعكس هذه القرارات في أحد جوانبها عدم رضا رئيس الجمهورية عن الطرق التي يتعامل بها وزراؤه مع بعض القضايا الملحة.
يبقى على الوزراء اتقان التعامل بحرفية مع ثلاثية يحكمها هوس توفير فائض مالي لما بعد الوزراة، ومحاولة الموازنة بين تسيير معقلن أو مبرر -على الأقل- لميزانيات وزاراتهم، وتحقيق طموحات جبهة سياسية كانت السبب وراء دفهم للواجهة، وفي جميع الأحوال فإن ضبط استقلالية الوزراء قد يتطلب من الرئيس اتخاذ إجراءات أخرى قد تدفع بالكثير منهم إلى المساءلة القانونية، وربما للجلوس خلف القضبان لسنوات...
د. أمم ولد عبد الله