أوربا على مفترق طرق..  نهاية عصر اتشرشل

مشهد تاريخي يوم  2 مارس 2025..

 

الاوربيون يجتمعون في لندن  بدون مباركة أمريكية، وبدون تنسيق معها وحتى بدون  اهتمام منها ، لتدارس أهم مادة  في مقرراتهم ، الأمن.

  لم يحدث أن كانت أوربا بهذا القدر من الجفاء  والهجران مع الولايات المتحدة ؛ لم يحدث أن واجهت أوربا قدرها وحيدة دون أمريكا منذ 1941،  أي منذ أن برزت فكرة أن لا أوربا بدون أمريكا، التي رسختها  وأسست لها  استجداءات رئيس وزراء ابريطانيا الشهير وينستون تشرشل بالرئيس الامريكي د.روزفلت ورسائل الاستغاثة الكثيرة إليه  للتدخل لحماية اوربا الغربية؛ لقد  أخرت  تلك الرسائل سقوط اوربا و سترت عريها  وغطت على انكشافها طوال الثمانين  سنة الماضية ..

"إن اليوم الذي سنكون فيه عاجزين عن تسديد  ثمن ما يصلنا من شحنات  قد اقترب..إذا كنت  (الكلام موجه لروزفلت ) ترغب كما يتمنى شعبك أن نواصل القتال  فلابد من إمدادنا بما يلزمنا من أسلحة ومؤن "

لقد قادت هذه الفقرة من إحدى رسائل تشرشل كما يقال الى المصادقة على ما يعرف "بقانون التأجير والاعارة سنة 1941 الذي أنقذ ابريطانيا وفرنسا من الدمار الابدي على يد النازيين. لقد صنعت رسائل اتشرشل عصرا بحاله وأنزلت امبراطورية ابريطانيا من عليائها برفق دون أن ينكسر  لها ضلع.

وإذا كان السياسي النمساوي  العظيم كليمنس فينزل مترنيخ قد حافظ على أوربا التقليدية من الانهيار طوال القرن التاسع عشر  من خلال مخرجات مؤتمر فيينا؛  فإن تشرشل قد حافظ عليها من خلال رسائله المؤثرة الى روزفلت ومن خلال  مراهنته على أمريكا فقط ولاشيء سواها،  ولا أحد غيرها ، وقد نجح في ذلك الرهان  نجاحا لا لبس فيه ولا مراء.

 لقد حاول الرئيس الأوكراني  فولودمير زيلينسكي أن يستعيد منطق تشرشل أمام اترامب وتمتم بعبارات تذكر بتلك الرسائل التي صنعت ما صنعت، والحقيقة أن ذلك بالذات هو ما أضفى على المشهد ما لا مزيد عليه من العبثية والدرامية، خصوصا في ظل قانون الإجارة والاعارة الخاص باوكرانيا الذي وقع عليه بايدن سنة 2022 والذي لا يختلف في شي ء تقريبا عن قانون الاجارة والاعارة سنة 1941. 

لكن المأساة تكمن في  أن اترامب غير معني بالحروب الخارجية ولا يرى مصلحة لبلاده في تكرار التاريخ، بل يريد أن يسترجع  أربعمائة مليار دولار صرفها بايدن حسب قوله  باسم قانون الاعارة والاجارة 2022م  على متهور  صغير يسعى لجر العالم الى حرب عالمية ثالثة؛  بينما يتصور زيلينسكي في المقابل ان قضيته هي نفس قضية اتشرشل  وأن دوافع أمريكا لما قامت به في السابق قائمة ومتوفرة الآن،  وقد  حاول  وبشكل ربما بدا أقرب الى العبثية  ترديد عبارات اتشرشيل في بعض رسائله ، وبشكل حرفي  " اذا كنت ترغب كما يتمنى شعبك أن نواصل القتال  فلابد من إمدادنا بما يلزمنا من أسلحة .."  

 

الوجه الآخر للمأساة أن هذا يذكر اترامب  ومن حوله بأعباء وتكاليف حماية أوربا  في السابق وهو أمر بالمنطق اترامبي مزعج وغير مبرر ؛ والأدهى والامر في نظره  أنهم يريدون أن تقوم أمريكا بنفس ما قامت به في السابق   وأن تحميهم من روسيا كما فعلت معهم ضد ألمانيا النازية. 

 

إنها لحظة انكشاف حقيقي تقف فيها أوربا  وحيدة  على مفترق طرق.  

 وكما انتهى عصر مترنيخ بحادثة اغتيال ولي عهد النمسا افرنز فرديناند سنة 1914 فإن أوربا تشرشل قد انتهت أيضا يوم أمس بحادثة طرد رئيس اوكرانيا فولودمير زيلينسكي من البيت الابيض ..

أحد, 02/03/2025 - 11:51