التخطيط التنموي التشاركي: ملاحظات منهجية

في خضم النقاش العمومي حول التخطيط التنموي التشاركي الذي أعلنت عنه الحكومة منذ فترة على مستوى الولايات، شكل إشراك العمد، والمنتخبين المحليين، وأعضاء المجالس الجهوية، ومؤسسات المجتمع المدني وكذا المواطنون مربط الفرس في هذه المقاربة التي تسعى من خلالها الحكومة إلى حل مشاكل المواطنين وإضفاء شرعية على الإجراءات التي ستتخذ بصفتها تمت وفق "مقاربة تشاركية". سيشكل "هذا النهج التشاركي"، وإن بطريقة أقل زخماً – على الأقل من منظور السلطات العمومية – خياراً في مقاربة عصرنة أو تنمية، تم اختيار هذا المصطلح فيما بعد، مدينة نواكشوط.

وقبل الخوض في بعض الملاحظات المنهجية، تجدر الإشارة إلى أن اعتماد المقاربات التشاركية – رغم تمييع استعمالها في بعض الأحيان – ليس ترفاً فكرياً، بل يجد شرعيته من خلال أبعاد عدة. فعلى المستوى الإجرائي، تساهم المقاربة التشاركية في إنجاح التصورات والحلول التقنية للمشاريع التنموية. كما تشكل خياراً سياسياً ديمقراطياً يهدف إلى إشراك المعنيين في تدبير الأمور التي تعنيهم؛ وبهذا المفهوم، يتم تقاسم السلطة – ولو رمزياً – معهم. وعلى المستوى الاجتماعي، تسمح بتقوية الروابط الاجتماعية وإشراك السكان والفاعلين المحليين في مشاريع التنمية؛ حيث يحسون بأنهم جزء من مشاريع التنمية وقد يتملكونها.

ورغم أهمية وضرورة المقاربات التشاركية – كما بينا آنفاً – إلا أن مدى نجاعة أي مقاربة يعتمد بدرجة كبيرة على المنهجية المتبعة في تنزيلها على أرض الواقع وفي الميدان. فالتخطيط الاستراتيجي يشكل آخر مرحلة في المسار التشاركي. فقبلها هناك مراحل: تحليل السياق، التحليل المشترك للوضعية الراهنة للمجال موضوع التشخيص، التشخيص التشاركي للرهانات، معرفة المشاكل وتحديد الأولويات. وبهدف إنجاح هذه المراحل وضمان نجاعة التخطيط، يجب أخذ بعض الحذر المنهجي بعين الاعتبار. فمثلاً يجب أن يقوم بهذه المراحل متخصصون في هذه المقاربات بإمكانهم القيام باختيار مختلف الفاعلين والمتدخلين في كل موضوع أو مشكلة محل التشخيص. وانطلاقاً من هذا الخيار، يتم اختيار الفاعلين وتقسيمهم إلى فئات متشابهة بهدف ضمان مشاركة كل مجموعة دون احتكار للتدخلات أو شطط في استعمال السلطة. سيتم فيما بعد استخدام الأدوات والوسائل الملائمة لكل مجموعة أو مجموعات متقاربة بهدف القيام بمعرفة دقيقة للوضعية الراهنة للمشاكل قيد التشخيص. يقوم المتخصصون خلال هذه المرحلة بالتأكد من أن كل شخص قد عرض وجهة نظره.

وخلال مرحلة تحديد المشاكل، يتم اختيار المقاربات المناسبة بهدف صياغتها على شكل مشاكل وليست أهدافاً ولا حتى تدخلات. بعد ذلك، يتم التأكد من أن كل شخص عرض المشاكل التي يتصورها دون إقصاء أو تمييز. من ثم يتم تحديد ترتيب الأولويات وفق منهجية يتم اختيارها بشكل جماعي واعتمادها بهدف فرز تلك الأكثر إلحاحاً. وبعد كل هذه المراحل، يتم وضع مسطرة للتدخل، تشمل عمليات التدخل، الوسائل المتاحة، وكذا تحديد التوقيت الزمني لذلك، وهذا ما يُسمى بمرحلة التخطيط.

وختاماً، فإن اعتماد هذا النوع من المقاربات سيسهم لا محالة في إنجاح السياسات العمومية وإشراك المواطنين وكذا مختلف المتدخلين، وحثهم على القيام بمهامهم على أكمل وجه.

 

الزين الزين الطالب

خبير في المقاربات التشاركية والتشاور في مجال التنمية

جمعة, 14/02/2025 - 18:48