حبس العالم انفاسه مساء الاربعاء منتصف يناير الجاري مترقباً خبر التوصل الى اتفاق لوقف اطلاق النار وتبادل الاسرى بين الكيان الصهيوني وحركة حماس في قطاع غزة الذي عاش في اتون الجحيم لمدة تناهز العام ونصف العام بعد حرب شعواء اتت على الاخضر واليابس في القطاع المنكوب خلفت عشرات آلاف الضحايا ومئات آلاف المصابين وملايين المشردين والمهجرين والنازحين وآلاف المختطفين والمفقودين وطوابير طويلة من الارامل واليتامىوالثكالى والجوعى واصحاب العاهات الجسدية والنفسية, ناهيك عن تدمير ما بين 75% الى 80% من البيوت والممتلكات والاراضي الزراعية وحوالي 85% من المرافق والبنى التحتية المتهالكة اصلاً كالمستشفيات والجامعات والمدارسوالملاعب واماكن العبادة والمقابر وشبكات الطرق والكهرباء والمياه والاتصالات والصرف الصحي.
رغم هذه الكارثة التي حلت بقطاع غزة خرج ما تبقى من اهله على قيد الحياة (رغم ان كل واحد منهم فقد قريب او حبيب او بيت او ممتلكات) للاحتفاء بشئ واحد فقط هو وقف آلة القتل والموت الصهيونية الاجرامية الرهيبة التي لم ترحم كبيراً او صغيراً ولا حتى رضيعاً ولا رجلا او إمراة رغم انهم مدنيون عزل لا حول لهم ولا قوة.
المؤلم ان جميع المراقبين يؤكدون ان الصفقة التي أعلن عن تفاصيلها رئيس الوزراء القطري في الدوحة مساء الاربعاء هي نفسها التي اقترحها الرئيس الامريكي السابق جو بايدن في شهر مايو الماضي والذي وصفها حينها انها "مقترح اسرائيلي", ورغم ذلك لم يتردد نتنياهو (الذي كان يراهن على رفض حركة حماس للصفقة) في رفضها حين تفاجأ بقبول الحركة لها, مما تسبب في حرج كبير لبايدن الذي روج للصفقة شخصياً, الملفت ان بايدن بدل ان يدفع الاحراج عن نفسه ويقرّع نتنياهو ويجبره على احترام الصفقة وخصوصاً انه هو نفسه (نتنياهو) مصدرها, فانه تجاهل فجاجة نتنياهو وتجرع الاهانةصاغراً وكأنه هو الذي في حاجة الاخير وليس العكس, بل ذهب ابعد من ذلك وتفهم وتماهى مع رفض نتنياهو وراح يسوق له سياسياً اقليمياً وعالمياً عبر سمساره الصهيوني انتوني بلينكن.
بايدن هو الاخر صهيوني مخضرم وتفاخر بذلك علناً اكثر من مرة, لذا لم يكن مفاجئاً ان يحيط نفسه بثلة من عتاة اليهود الصهاينة الذين عينهم في مناصب رئيسية في ادارته ابرزهم بلينكن وزير الخارجية ونائبته ويندي شيرمان,جاك سوليفان مستشار الامن القومي, آن نيوبرجر مديرة الأمن السيبراني بوكالة الأمن القومي, عاموس هوكشتاين كبير مستشاري الطاقة والاستثماروالمبعوث للبنان, ميريك جارلاند المدعي العام الفيدرالي, رونالد كلاين كبير موظفي البيت الأبيض, أفريل هاينز مديرة وكالة الاستخبارات الوطنية ونائبهاديفيد كوهين, أليخاندرو مايوركاس وزير الأمن الداخلي, جانيت يلين وزيرة الخزانة, إريك لاندر مدير مكتب سياسات العلوم والتكنولوجيا وراشيل ليفين مساعدة وزير الصحة وغيرهم, ولك انت تتخيل ادارة من هكذا فريق كيف سيكون سلوكها في التعامل مع ملف الشرق الاوسط وخصوصاً الشأن الاسرائيلي الفلسطيني...!!!!!,
بايدن بحكم عقيدته الصهيونية أوكل اليهم هذا الملف تماماً, فكانت النتيجة كما رأى الجميع, حرباً غير متكافئة بين جيش هو الاقوى بين جيوش المنطقة ويمتلك ترسانة عسكرية هي الاقوى والاحدث في العصر الحديث ومدعوم من اقوى واهم دول العالم وبين فصيل مقاوم محاصر منذ حوالي عقدين ومحروم من أهم مقومات الحياة, الضروريات منها قبل الكماليات, ومع ذلك فشل الكيان الصهيوني من تحقيق اي من اهدافه التي كان يتشدق بها منذ اندلاع الحرب في شهر يونيو عام 2023.
نعم لقد فشل الكيان الغاصب في القضاء على حركة حماس واقصائها عن السلطة في قطاع غزة, وها هو يتفاوض معها ويعقد معها الصفقات, كما فشل في ترحيل اهالي غزة وخصوصاً في الشمال وتهجيرهم وبالتالي فشل في سرقة اراضيهم وكان هذا هو الهدف المركزي للكيان من هذه الحرب, وكذلك فشل في اعادة الاسرى بالقوة كما كان يكرر في كل تصريحاته تقريباً.
تلك كانت ابرز اهداف رئيس الوزراء الصهيوني نتنياهو المعلنة من الحرب, وبفضل الله اولاً ثم بفضل بسالة المناضلين وصمود اهل القطاع تم افشال كل اهداف نتنياهو وآلته العسكرية الرهيبة.
نتنياهو اضطر لابتلاع صفقة وقف اطلاق النار الذي سبق وان رفضها عدة مرات منذ ان اعلنها بايدن قبل 7 اشهر تقريباً كما سبقت الاشارة, لجملة من الاسباب ابرزها:
1. الاستبسال الخارق لابطال المقاومة وتكبيدهم العدو الصهيوني يومياً خسائر مؤلمة في ضباطه وجنوده والياته رغم محدودية امكانياتهم ومقدراتهم وفشل نتنياهو في تحقيق اهم اهدافه وهي القضاء على حماس, ولكن ما حصل ان حماس كرست نفسها كرقم اساسي في معادلة القضية الفلسطينية ونجحت في ارغام نتنياهو على التفاوض معها وعقد الصفقات.
2. الصمود الاسطوري لأهل قطاع غزة وتمسكهم بأرضهم ورفضهم كل محاولات التهجير والابعاد رغم الثمن الباهظ الذي دفعوه هؤلاء المدنيين الابرياء من دمائهم واشلائهم واحبتهم وممتلكاتهم واحلامهم وآمالهم ومستقبل ما تبقى من اولادهم وبناتهم, اي نتنياهو فشل في الهدف المركزي الذي سعى اليه تحالفه المتطرف من الحرب وهو ترحيل اهل غزة خارجها ليستولوا على الارض وتحويل غزة الى منتجعات ومستوطنات, وها هم اهالي غزة يعودوا الى بلادهم وارضهم وبيوتهم رغم دمارها.
3. فشل الكيان الصهيوني في تحرير اسراه بالقوة, وكل ما تمكن القيام به في هذا الشأن انه استطاع قتل عدد منهم وفي نهاية المطاف اضطر الى التفاوض مع حماس وتوقيع صفقة معها لوقف اطلاق النار والافراج عن اسرى فلسطينيين مقابل حصوله على اسراه.
4. فشل جميع خططه العسكرية التي اعلن عنها في قطاع غزة مثل تدمير كامل مقدرات حركة حماس العسكرية وخصوصاً محاولاته تدمير الانفاق باغراقها بمياه البحر او ضخ غازات سامة وغيرها وفشل في تطبيق ما اطلقوا عليه خطة الجنرالات وفشل في دفع ترحيل اهل الشمال بفرض حصار صارم لتجويعهم وحرمانهم من كل مقومات الحياة كالماء والغذاء والدواء وغيره.
5. انهيار الاقتصاد الصهيوني بصورة كبيرة, فقد قدرت بعص المصادر المختصة تكلفة الحرب تناهز 70 مليار دولار, ناهيك عن هجرة الاف الشركات والاستثمارات الاجنبية وخصوصاً شركات التقنية العالية التي تعتبر ركيزة اساسية من ركائز الاقتصاد الصهيوني
6. هجرة ما يقارب مليون صهيوني الى الخارج وملايين اخرين من مستعمرات غلاف غزة الى وسط الكيان.
7. تعطيل قطاعات حيوية داخل الكيان, كقطاع الزراعة والبناء والتعليم وتأثر قطاعات اخرى كالمواصلات والسياحة والصناعة وغيرها.
8. ضغوط من داخل الجيش الصهيوني الذي يتعرض لضربات مؤلمة من المقاومة ويخسر يومياً عدداً من ضباطه وجنوده والياته, علاوة على التعب والارهاق الجسدي والنفسي الذي انتاب الكثير من ضباط وجنود الاحتلال الصهيوني طوال فترة الحرب الى درجة اقدام العشرات منهم على الانتحار والمئات دخلوا السجون لعصيان الاوامر برفض الخدمة العسكرية في قطاع غزة او الهروب من المعكسرات هناك.
9. انقسامات بين الكتل السياسية الرئيسية والحزبية في الكيان حول رؤية كل منهم لكيفية ادارة الحرب.
10. ضغط عائلات الاسرى الذين يتظاهرون على مدار الساعة امام المقار الحكومية والكنيست ومنزل نتنياهو ويغلقون الشوارع والطرقات والميادين مما يسبب شبه شلل في الحياة اليومية وخصوصاً في المدن الرئيسية بما فيها تل ابيب.
11. ضغط المعارضة التي كانت منذ الاشهر الاولى الحرب تدعو الى استعادة الاسرى بعقد صفقة ووقف الحرب.
وهناك جملة من الاسباب الخارجية ابرزها نجاح دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الامريكية الاخيرة وتصريحه القوي انه يريد رؤية نهاية الحرب قبل تنصيبه الاثنين 20 يناير الجاري والا سيحول الشرق الاوسط الى جحيم, وبما ان قطاع غزة يقبع في الجحيم منذ حوالي 15 شهراً, فكان واضحاً ان المقصود بالتهديد هو الكيان الصهيوني, وهذا ما اكده تصعيد ترامب الكلامي ضد نتنياهو في الايام الماضية وصولاً الى بثه على صفحته على منصته تروث ميديا فيديو سابق للخبير الاقتصادي الامريكي البروفيسور جيفري ساكس استاذ الاقتصاد بجامعة كولومبيا يشتم نتنياهوبأقذع الالفاظ واصفاً اياه "بالسافل المظلم ابن العاهرة" الذي يخدع الولايات المتحدة ويسخرها لتحقيق مصالحه ومصلحة دولته ويدفعها دفعاً الى حروب متتابعة للتخلص من الانظمة العربية التي لا توافق على التطبيع مع كيانه وتدعم اعدائه" حسب ما أوضحالبروفيسور ساكس.
هذا وتناقلت مصادر امريكية ان الرئيس دونالد ترامب شتم نتنياهو عبر الهاتف وطلب منه بلهجة آمرة ان ينهي الحرب ويوافق على صفقة تبادل الاسرى ووقف اطلاق النار.
اضف الى ذلك التصرف الحاد لمبعوث ترامب للشرق الاوسط ستيف فيتكوف مع نتنياهو, فقد كان الرجل حاسماً وتصرف بفجاجة مع نتنياهوعندما حاول الاخير التهرب من لقاءه يوم السبت الماضي متذرعاً بحرمة السبت, ولكن فيتكوف كان حاسماً عندما قال له "هذا الامر (يقصد حرمة السبت) لا يعنيني, اذا لم توافق على الصفقة بحلول نهاية الاسبوع فلا تعول علينا إطلاقاً", مضيفاً حسب تسريبات ممن حوله, "الديون الاميركية لامست سقف 36 تريليون دولار, وها هي الولايات المتحدة تشهد كارثة بيئية هي الأكبر والاخطر في التاريخ الامريكي وطالت كاليفورنيا اكبر واهم الولايات الامريكية وتبعات هذا الكارثة الغير مسبوقة قد تكلف أكثر من ربع تريليون دولار, وعليه فان الولايات المتحدة لن نستطيع دفع دولار واحد اضافي لاي جهة كانت تحت اي ظرف ونقطة على السطر".
وحسب التسريبات حاول نتنياهو المراوغة بالقول "ان كيانه هو الحليف الاهم لامريكا......" فقاطعه ويتكوف بلهجة حادة تنقصها اللياقة والدبلوماسية "تباً, دعك من هذا الهراء, الولايات المتحدة أهم من كل بلاد الدنيا وهي الان بحاجة ماسة لكل دولار", ونهض من كرسيه مسرعاً الى سيارته التي كانت بالانتظار خارج المكتب التي شهد هذا الاجتماع القصير وعلى باب السيارة واحدى رجليه داخلها صوب نظرات صارمة الى نتنياهو موجهاً له كلماته الحاسمة: "الرئيس ترامب كلفني ان ابلغك انه يريد رؤية نهاية هذا العبث قبل نهاية هذا الاسبوع وهو يعني ما قاله بانه سيحول المنطقة الى جحيم اذا لم يحصل ذلك, وهو يقصد كلا الطرفين ولكن كما تعرف يا سيد نتنياهو ان غزة منذ اكثر من عام تعيش في قلب الجحيم فعلاً", ثم دخل برجله الاخرى واغلق باب سيارتهبقوة منطلقاً مباشرة الى المطار.
أدرك نتنياهو ان ستيف ويتكوف مبعوثاً مختلفاً عن كل من سبقه من المبعوثين, وانه لا ولن يجرؤ على مخاطبته بهذه اللهجة بدون إيعاز من ترامب.
التقط نتنياهو هذه الإشارة الخطيرة وأدركها جيداً واستوعبها على مضض ولم يجد امامه الى الخضوع, لانه يدرك التبعات جيداً اذا ما حاول المراوغة او التملص منها, ووجد نفسه في الزاوية لاول مرة منذ اندلاع الحرب, لن ينفعه اطلاقاً الضحك على الذقون والفهلوة بالتمترس خلف فزاعة بن غفير وسموترتش والخوف من انسحابهم من الحكومة وبالتالي انهيارها, فهذه الحيل قد تنطلي على بايدن, لانه صهيوني كما اعلن اكثر من مرة ويمكن بيعه مثل هذهالترهات وتبعاتها....ناهيك عن انه متعصب جداً في تأييده الى اسرائيل وهو القائل "لو لم تكن اسرائيل موجودة لأوجدناها",,,,اضف الى كل ذلك انه رئيسٌضعيف بحكم مكانته الهشة كون حياته السياسية والحزبية وصلت الى نهايتهاوبحكم سنه المتقدم فالرجل في الثمانينات,,,,,علاوة على انه يتقاضى من ايباك(اكبر جماعة ضغط تدعم اسرائيل في الولايات المتحدة) دعماً مالياً منتظماً يجعل ولاءه الاول لإيباك وللكيان الصهيوني وذلك شأنه شأن معظم اعضاء الكونجرس والساسة الامريكان.
اما ترامب فهو في حل من كل هذه القيود, فهو ملياردير وليس بحاجة لاموال اللوبي الصهيوني, والادوات التي نجحت في السيطرة على بادين وجوقته لن تنجح مع رئيس غير استثنائي ومن خارج نادي الساسة التقليديين كترامب, ناهيك عن ان ترامب نجح باصوات العرب والمسلمين وخصوصاً في الولايات المتأرجة والتي كان فيها الصوت المسلم والعربي هو الذي رجح كفته, اما اليهود فمعظمهم صوتوا لمنافسته كامالا هاريس, وترامب يعرف ذلك ويدركه جيداً,اضف الى ذلك غضب ترامب الشديد من نتنياهو الذي سارع بتهنئة بايدن في انتخابات عام 2020 والتي تركت جرح كبير في نفس ترامب حينها وما تبع ذلك من اتهامه لليهود الامريكان الذي تنكروا لكل ما فعله لهم ولكيانهم ويقصد الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان ونقله السفارة الامريكية اليها, ومع ذلك انحازوا لبايدن في تلك الانتخابات وأنهم ناكرين للجميل وموالين لدولة اجنبية غير بلدهم امريكا وهم بدورهم اتهموه (اي ترامب) بأنه معادي للسامية, ومؤشرات تلك التداعيات انه استبعد صهاينة متطرفين من ادارته الجديدة, امثال زوج ابنته سيئ الذكر الصهيوني المتطرف جاريد كوشنر واليهودي الذي نشاً وترعرع في فلسطين المحتلة جيسون غرينبلات وسيئ الخلق والخلقة ديفيد فريدمان اشدهم تطرفاً وبغضاً وعنصرية وغيرهم, بل ما حصل هو العكس, فقدعين صهر ابنته اللبناني مسعد بولس في منصب كبير مستشاريه للشؤون العربية والشرق أوسطية، مما يعني انه سيكون مسؤلاً عن ملف الشرق الاوسط بما في ذلك القضية الفلسطينية, وهو الدور الذي كان مناطاً بجوقة اليهود المشار اليهم في ادارة ترامب الاولى.
الملفت ان ستيف ويتكوف مبعوث ترامب احتاج الى ربع ساعة تقريباً ليجعل نتنياهو يقبل بصفقة وقف اطلاق النار في قطاع غزة وتبادل الاسرى في حين ان انتوني بيلنكن وزير خارجية بايدن فشل في ذلك طيلة 15 شهراً تقريباً, والاصح انه تعمد ان يفشل لاتاحة الفرصة لنتنياهو واعطائه متسعاً من الوقت لارتكاب المزيد من جرائم الابادة الجماعية والجرائم ضد الانسانية في القطاع المنكوب, وهذا ما اشار اليه الصحفي الامريكي اليهودي ماكس بلومنتال الخميس اثناء مؤتمر صحفي لبيلنكن موجهاً كلامه له (اي لبلينكن) :"انت جدك ووالد زوجتك من اقطاب اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة, وانت على دربهم, الصفقة كانت متاحة منذ حوالي 7 اشهر, لماذا سمحتم لنتنياهو بارتكاب هولوكوست هذا القرن, لماذا اطلقتم يده لقتل ما يقارب 20 الف من الابرياء منذ مايو الماضي فقط, وكان بامكانكم ايقافه في حينه ومنع ذلك بحثه على قبول الصفقة التي قبلها بالامس, الامر اصبح واضحاً يا سيد بلينكن, ان إخلاصك للصهيونية اقوى من قيمك الانسانية واشد من التزامك بالمهنية وواجبات وظيفتك, انتم وصمتم ديننا اليهودي بالفاشية", وحينها تم اخراجه من المؤتمر بتهمة عدم احترام المؤتمر....!!!!.
ومن الاسباب الخارجية التي يمكن اخذها في الحسبان, الضغوط الدولية المتمثلة في قرارات محكمة الجنايات الدولية التي اصدرت مذكرات اعتقال بحق نتنياهو ووزير دفاعه السابق يواف غالانت لمحاكمتهم كمجرمي حرب بالاضافة الى مطاردة ضباط وجنود جيشه حول العالم لمحاكمتهم بارتكاب جرائم ابادة وجرائم ضد الانسانية, كما حصل مؤخراً في البرازيل وتشيلي والارجنتين وبلجيكا وسريلانكا وتايلاند وهولندا وصربيا وأيرلندا وقبرص وغيرها.
وكذلك رغم الدعم السياسي والدبلوماسي الأمريكي والغربي اللامتناهي فشل الكيان الصهيوني سياسياً ودبلوماسياً وبات في عزلة دولية غير مسبوقة وأصبح كياناً منبوذاً وموصوماً بالاجرام وقادته وضباط وجنود جيشه مطاردين ومطلوبين للمحاكم الدولية, وسمعتهم في الحضيض وفي هذا السياق يقول الاكاديمي والمحلل السياسي اليهودي الامريكي بروس روبنز "ان ما حصل في غزة كرس إسرائيل رمز الشر في هذا العصر".
وهناك ايضاً اسباب وضغوط خارجية محدودة التأثير كقرارات الامم المتحدة حول الحرب على غزة وخصوصاً قرار مجلس الامن رقم 2735 لشهر يونيو الماضي المطالب بوقف اطلاق النار استناداً الى مبادرة بايدن التي رفضها نتنياهو في حينه (وقبلها مجبراً الاربعاء الماضي), اضف الى ذلك القرارات ذات الصلة الصادرة عن محكمة العدل الدولية في الرابع والعشرين من شهر مايو الماضي.
اخر الكلام:
غالبية المراقبين في داخل الكيان الصهيوني استخلصوا مؤشرات نتائج الحرب برصد ردود الفعل على صفقة وقف اطلاق النار وتبادل الاسرى لدى الطرفين, وابرزوا في هذا الشأن ردود الفعل عند الجانب الصهيوني وركزوا على عدة مشاهد منها الانقسام الحاد بين النخبة السياسية حول الصفقة وتبادل الاتهامات بالفشل والقصور واحياناً بالتوطؤ وحتى الخيانة, وجوه نتنياهو واعضاء حكومته واركان جيشه متجهمة, صراخ وعويل وبكاء بين الصهاينة في مختلف الشرائح والطبقات, استقالات بين صفوف كبار المسؤولين, تشنج في تصريحات نتنياهو ووزرائه والتهديد والوعيد بالويل والثبور وعظائم الامور وكأنهم كانوا طوال 15 شهراً يرمون اهالي غزة بالزهور والورود, تأخير اطلاق الاسرى الفلسطينين لعدة ساعات والتنكيل بهم قبيل وعند الافراج عنهم وغير ذلك.
اما على الجانب الفلسطيني, فكانت مشاهد الفرح والشعور بالزهو بين الناس رغم جراحهم البالغة وعودتهم الى بلادهم وبيوتهم المدمرة, هذا بالاضافة الى ظهور الاف مؤلفة من عناصر كتائب القسام بزيهم العسكري وبكامل عتادهم وسلاحهم تجوب شوارع القطاع المدمر في استعراض قوة مما اثار حفيظةواستياء الكثيرين في الجانب الصهيوني واتهام جيشهم بالفشل في القضاء على كل هؤلاء طيلة مدة الحرب واحتلالهم لكامل قطاع غزة طيلة اكثر من عام.
حرب طوفان الاقصى, عجيبة غريبة غير عادية, في بدايتها وحتي نهايتها, فقد بدأت بانهاء غطرسة الكيان الصهيوني والقضاء على اسطورة جيشه الذي لا يقهر, فقد قهروه وقتلوا ضباطه وجنوده واذلوهم واسروهم, فتم القضاء على هذه الاسطورة تماماً والى الابد, فمهما حاولوا ودمروا وقتلوا فلا يمكن انكار هذه الحقيقة, الزجاج المكسور لن يرجع سليماً مهما حاولت اصلاحه.
وفي اثناء الحرب راى العالم كيف كان ابطال حفاة شبه عراة يلتحمون بدبابات العدو من المسافة صفر ويلصقون عبواتهم وقنابلهم بايدهم على جسم الدبابات الاحدث في العالم (ميركافاه 4), مما اعتبره الكثير من المحللين العسكرين بأنه الاغرب والاشجع في تاريخ البشرية وانهم يستحق اعتماده كاسلوب قتال مبتكر وفعال في الاكاديميات والكليات العسكرية العالمية.
وفي النهاية, رغم استشهاد وجرح وفقد حوالي 10% من سكان غزة ورغم تدمير حوالي 85% من بيوتهم ورغم خسارتهم لكل ممتلكاتهم ومقدراتهم خرجوا الى الشوارع ليحتفلوا, فقد اعتبروا ان نجاحهم في افشال عدوهم من تحقيق اهدافه نصراً...!!!
د. سمير الددا