إن وجود مؤسسات تتحايل على تطبيق نصوص القانون الذي وجدت لتطبيقه، بتأثير من ظالمين سخروا تلك المؤسسات في مهامهم الخاصة، الموازية لمهام الدولة والمتعارضة معها، لهو تطور خطير ومروع في تاريخ الصراع الأبدي بين العدل والظلم !!
يقول افلاطون : (إن أسوأ أنواع الظلم هو الإدعاء بأن هنالك عدلا).
فالعدل يتطلب توظيف سلطة الدولة في تقوية المظلوم إلى أن يقتص له من الظالم أو يمكن من حقه فيه بالطرق الشرعية المناسبة.
والجور هو الميل على الظالم بحمايته من القصاص أو من العقاب أو نافذ الأحكام.
ومن هنا يتضح أن الظالمين يشكلون فرادى وجماعات سلطة موازية لسلطة الدولة التي أسند إليها الناس مهمة حماية حقوقهم، ما يعني أن سلوك الظالمين يمثل تمردا على الدولة وعلى قوانينها، بل تمردا على سلطة هيئات تطبيق القانون فيها وانتهاكا لحرمة قادة تلك الهيئات وحرمة عناصرها أيضا، بل تحد لهم.
فهل يقبل موظف عمومي بعد هذا التنازل عن حريته وكرامته وأمانته وحرمة مسؤوليته ليتحول إلى مجرد مستعبد قزم يوظفه ظالم تافه، سواء استكان لذلك الظالم تحت تأثير علاقات وظيفية (كأوامر خاج القانون)، أو تحت تأثير علاقات القرابة، أو تحت تأثير العلاقات الروحية، أو تحت إحراج المصاهرة، أو بتأثير الإغراءات المالية ؟
أظن الشهم النبيل لن يرضى بذلك التوظيف غير اللائق إلا في إطار تعارج يوصله إلى خبر كخبر الهدهد.
النبيل يبقى عصيا على تلك المؤثرات لا يضره من خالفه ولا من فر منه أوتحامل عليه ظلما.
وأما من يخون أمانته العمومية اقتداءا بعدي في الكرم، فاليعلم أن كرمه لا يكون إلا بما يملك، لا بخيانة العهد والأمانة وتبذير المسروقات من المال العام وتوزيعها على من لا يستحق.
وأخيرا نتوصل إلى أنه من الخطر وضع المسؤوليات العامة في عهدة من ارتهنت أذهانهم لماض يدور في دائرة عشائرية وجغرافية لا تشمل كل الوطن، إذ أفقهم الضيق لا يستوعب ماهو أشمل من ذلك.
والظلم يكون ظلمات إذا تمكن الظالم من توظيف سلطة الدولة في التمادي فيه وزيادته بظلم آخر خفي، إما للمظلوم أو أقاربه وبشكل ينسيهم الماضي وتشغلهم بالحاضر، كي يتنازلوا كرها لا طوعا.
وإذا وصلنا إلى تلك الدرجة فلا محل للقول بوجود عدل أو مساواة، إذ الواقع شاهد على وجود تمييز إيجابي لمصلحة الظالمين !!
المحامي محمد سدينا ولد الشيخ