
شهدت موريتانيا خلال عام 2024 سلسلة من الأحداث السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تعكس تحولات عميقة في واقع البلاد، في ظل تحديات داخلية وإقليمية متزايدة. هذه الأحداث، إذا ما تم تحليلها بعناية، يمكن أن تشكل مدخلا لفهم المشهد الحالي واستشراف السيناريوهات المحتملة لعام 2025.
المشهد السياسي: تحديات متكررة وثقة متآكلة
عززت إعادة انتخاب الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني لولاية ثانية استقرار النظام السياسي على المستوى الرسمي، لكنها كشفت أيضا عن أزمة ثقة متجذرة. فقد رفض المرشح الحاصل على المرتبة الثانية الاعتراف بالنتائج، وشهدت البلاد احتجاجات عنيفة تطلبت تدخل الجيش للحفاظ على الأمن. هذه الأحداث باتت مألوفة في المشهد السياسي بعد كل استحقاق رئاسي، مما يبرز الحاجة إلى إصلاح شامل للحكامة السياسية.
من جهة أخرى، استمر تعليق العمل بقانون الأحزاب السياسية مع بلورة مشروع قانون جديد يشدد شروط الاعتراف بالأحزاب، وهو توجه يثير قلقا بشأن تضييق الحريات السياسية وتقويض التعددية، مما يعمق الفجوة بين السلطة والمعارضة.
المشهد الاجتماعي: الهجرة وضغوط اللاجئين
يعاني المشهد الاجتماعي من أزمات هيكلية تتمثل في البطالة المرتفعة التي تدفع الشباب إلى الهجرة، إضافة إلى تدفق المهاجرين غير النظاميين من أفريقيا وآسيا، مما حول موريتانيا إلى ممر رئيسي للهجرة نحو أوروبا. كما يشكل اللاجئون الماليون في الشرق الموريتاني ضغطا إضافيا على الموارد المحلية، خاصة في ظل نقص المراعي هذا العام، مما يهدد الاستقرار الاجتماعي في مناطق واسعة من البلاد.
المشهد الإقليمي: انعكاسات صراعات الجوار
يشكل استمرار الحرب الأهلية في مالي وتصاعد الصراع على السلطة، خطرًا مباشرا على موريتانيا التي تتشارك حدودا طويلة مع مالي. يضاف إلى ذلك التنافس الجزائري المغربي على الحدود الشمالية، والذي قد يعقد الوضع الإقليمي لموريتانيا إذا لم يدر بحكمة. وهي عوامل تجعل تعزيز أمن الحدود والتنسيق مع الشركاء الإقليميين ضرورة ملحة.
المشهد الاقتصادي: بوادر أمل وسط التحديات
رغم التحديات، شهدت موريتانيا تطورا اقتصاديا بارزا تمثل في بدء استخراج الغاز من حقل آحميم الكبير. هذا الإنجاز يمثل نقطة تحول اقتصادي إذا ما استثمرت عائداته في مشاريع تنموية مستدامة. لكن استمرار اعتماد الاقتصاد على القطاعات التقليدية وعدم معالجة التفاوت التنموي سيظلان يشكلان عقبتين رئيسيتين أمام تحقيق نمو شامل، إذا لم يتم التغلب عليهما؟
سيناريوهات 2025: بين الاستقرار والتصعيد
السيناريو الأول: الاستقرار وتعزيز التنمية
إذا نجحت الحكومة في ضبط الأمن على الحدود مع مالي وأطلقت مشاريع تنموية طموحة، مع تعزيز الحوار السياسي الداخلي، فقد تتمكن البلاد من تحقيق استقرار داخلي ونمو اقتصادي يعزز مكانتها الإقليمية.
السيناريو الثاني: تفاقم التحديات الإقليمية والمحلية
تصاعد الحرب في مالي وتمدد الجماعات المسلحة إلى المناطق الحدودية، إلى جانب استمرار الاحتقان السياسي والاجتماعي الداخلي، قد يؤديان إلى اضطرابات تهدد الاستقرار وتعيق المشاريع الاقتصادية.
السيناريو الثالث: موجة جديدة من “الربيع العربي”
تأثر المنطقة العربية بتصاعد الاحتجاجات نتيجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية قد يشعل موجة جديدة من الاحتجاجات في موريتانيا، مما يضع النظام السياسي أمام اختبار صعب.
آفاق التعامل مع التحديات:
سياسيا: إصلاح النظام الانتخابي وتعزيز الشفافية والحوار مع المعارضة.
اجتماعيا: إطلاق مشاريع تنموية موجهة للشباب لمعالجة البطالة، وتحسين إدارة ملفي اللاجئين والمهاجرين.
إقليميا: تعزيز التعاون الأمني مع دول الجوار وتبني موقف دبلوماسي متوازن تجاه الجزائر والمغرب.
اقتصاديا: استثمار عائدات الغاز في مشاريع تنموية تسهم في تنويع الاقتصاد.
ختاما
تعكس أحداث 2024 تعقيد المشهد الموريتاني، حيث تتداخل التحديات الداخلية مع المتغيرات الإقليمية والدولية. يبقى نجاح البلاد في مواجهة هذه التحديات مرهونا بقدرتها على تنفيذ سياسات شاملة ومتوازنة تستهدف تعزيز الاستقرار السياسي، وتحفيز التنمية الاقتصادية، ومعالجة القضايا الاجتماعية، مع لعب دور إيجابي في الديناميات الإقليمية والدولية. عام 2025 قد يكون حاسما في تحديد مستقبل البلاد، إما نحو استقرار وتنمية مستدامين أو مواجهة المزيد من التحديات.
مركز أودغست للدراسات الاقليمية
يناير 2025