من أبشع الأمور التي كانت سائدة- ولعلها ما زالت موجودة في بعض المجتمعات- إلصاق تهمة (السل) بالمستضعفين..
و(السل) إما يكون عينا فلا تختص بالعين طبقة دون طبقة، بل يرى المجربون أن المهمشين لا يعينون، لأنهم على الفطرة، لا يحملون الغل، ولا الحسد، ولا أي مرض من أمراض القلوب، وإما أن يكون علما كالسحر فذلك يتطلب مستوى معرفيا لا يتوفر في الأميين، وعليه يكون شيوعه في الطبقات العليا أقرب إلى المنطق..
لا يجد المتهمون ب(السل) عن الرضوخ لما اتهموا به مخرجا، ولا سندا يشكون إليه ما يعانون، وكيف ترتفع أصوات الضعفاء المخنوقة، والمحاصرة مع جلبة الأقوياء الظالمين، يُجَرم (السلالون) كلما مات طفل بحمى الملاريا، وكلما صُرع رجل لارتفاع ضغط دمه، وكلما تعجلت الحامل فولدت خداجا...
تراهم يُسَبُّون، ويعيرون أمام أطفالهم، وأحيانا يضربون أمام آبائهم، ويبعدون عن منازل الناس، حتى يلجأ كثير منهم إلى الهجرة عن وطنه وأهله...
والأقسى أن ظاهرة (السل) لا تكون إلا في الطبقات المنحطة بحكم التصنيف الطبقي الجائر...
لم نسمع أن شريفا، أو زاويا، أو عرببا، أو أميرا، أو ابن أسرة مشيخة علمية، أو روحية، أو اجتماعية، لم نسمع أن أحدا من هؤلاء (سلال)..
(السلالون) شهداء تلفيق، وضحايا مواقعهم الاجتماعية الظالمة، ولا شك أنهم من صالحي عباد الله الذين سخر لهم من عباده من يصب لهم من حسناته صبا مقابل ما يصييهم من الجور، والتعذيب النفسي، والجسدي في الحياة الدنيا..
قرأت في بعض الأخبار أن أحد أحياء مدينة داخلية تمدد بحكم النمو الديمغرافي، وبينما كان بعض العمال يحفرون عثروا على جثة رجل مضى على موته عشرة أعوام، لكنه ظل كما هو، ظهر كالنائم بريح طيبة، وعرفه بعض من دفنوه منفردا عقابا واحتقارا له، لأنه كان يسمى فلانا (السلال)...