أختار موريتانيا

الخلافات الإقليمية، لا سيما بين الدول الرئيسية، كانت وستظل قائمةً دون انقطاع بسبب الصراع بين هذه الدول على مصالحها الوطنية وعلى الإمساك بزمام القيادة والنفوذ في المنطقة. وبالطبع فإن لنا علاقات أخوّة وجوار ومصالح مشتركة مع هذه الدول كافة، لكن ليس من صالحنا الدخول في صراعاتها البينية، خاصةً أن بعض جراحات الماضي لم يندمل بعد. فبعض هذه الدول الشقيقة سعى على مدى سنوات طويلة، وبكل جهده، إلى الحيلولة دون استقلال موريتانيا وإلى شطبها من الخريطة نهائياً، وبعضها سلّح جماعاتٍ وأرسلها لزعزعة استقلال موريتانيا وتخريب اقتصادها، إذ غاظه أن تكون بلداً له قرارُه المستقل بمعزل عنه. كما فعل بعضُها الأفاعيلَ بالجالية الموريتانية على أراضيه دون أن يجد إقليمياً مَن ينهاه أو يردعه عن ذلك! لكن هذه التجارب وجراحاتها أصبحت من الماضي الذي يجب طي صفحته وتنحيته من الذاكرة، حرصاً على صدق الأخوّة وحسن الجوار وضماناً للتعاون الإقليمي وثماره لصالح الجميع.  
 ونحن كدولة ليس مِن مصلحتنا مطلقاً الانجرار نحو أي نوع من التخندق داخل خريطة الخلافات والصراعات الإقليمية. أما مثقفونا وكتابنا فمدعوون للكف عن الانخراط في أي نوع من الاستقطاب الإقليمي وما يفرضه انخراطهم من انحيازات لا يمكن بأي وجه أن تخدم المصالح الوطنية العليا لبلدنا.
بلدانُ منطقتنا كلها حققت مستوياتٍ متقدمةً مِن التنمية خلال السنوات والعقود الماضية الأخيرة، وتركتنا وراءها بفارق زمني كبير للغاية، سواء على مستوى الحكامة وأساليب التدبير أو على صعيد البنية التحتية والمنظومة الخدمية واللوجستية أو فيما يخص جذب الاستثمار الأجنبي.. إلخ. لذا، فقد آن لنا الالتفاتُ إلى أنفسنا بدلا مِن الانشغال بالآخرين وخلافاتهم أو خوض أي صراع نيابةً عنهم. وربما يجدر بنا في هذا المجال أن نتأسَّى بالمرحوم الرئيس المختار ولد داداه، وهو يقوم بالمهمة المستحيلة من أجل تهدئة الخلافات المستحكمة بين المرحومين الحسن الثاني وهواري بومدين، حيث خيَّره الأخيرُ  - وكان في ثورة غضبه - بين الجزائر والمغرب، ليرد عليه بعبارته الشهيرة: «أختار موريتانيا»!

سبت, 21/12/2024 - 09:44