في مثل هذا اليوم، وبُعيد وقت الزوال بقليل، عام 1984، خرجتُ مِن بيتنا المجاور لسينما "مينا الفن" في مقاطعة الميناء (سيزيم)، كي أشتري بعض الحاجيات من الدكان الكائن على الشارع المقابل. ولدى وصولي الدكان كان مذياعه الصغير ينقل بيان الإطاحة بالرئيس المقدم محمد خونه ولد هيداله، فوقفنا جميعاً مشدوهين ونحن نتابع البيان الأول، ومن بعده موسيقى عسكرية وأغاني وطنية، ثم تلاه بيان آخر يتضمن أسماء أعضاء اللجنة العسكرية الجديدة برئاسة العقيد معاوية ولد الطايع قائد أركان الجيش في عهد الرئيس المطاح به.
وفي المساء خرجتُ مع آلاف من سكان "سيزيم"، وكانت أغلبيتهم مراهقين في سني، بين راكب وراجل، وعند "كارفور بي ام دي" التحم جمعُنا بجموع قادمة من "سينكيم" و"كبتال" و"تفرغ زينه". وفي وسط المسيرة كانت تشارك سيارات بينها واحدة صغيرة سوداء اللون تقودها المرحومة ديمي بنت آبه، وقد بلغ بها الفرح مبلغاً كنت ألاحظه بوضوح من النوافذ الزجاجية المفتوحة لسيارتها. ولما كنا قبالة البنك المركزي متجهين نحو الرئاسة، توقّف مَسيرُنا هناك بسبب الجموع التي سبقتنا إلى بوابة الرئاسة وامتلأ بها المكان عن آخره. ثم سرعان ما ظهر معاوية محاطاً بضباط اللجنة العسكرية الجديدة، وألقى خطاباً بفرنسية لم نفهم منها الكثير، لكن كان يكفينا يومها، ويفرحنا جداً، أن العقيد أطاح برفيقه المقدم، مثلما أفرحتنا بعد عشرين عاماً من ذلك التاريخ إطاحةُ العقيد على يد عقيد آخر كان يتولى حراستَه.
محمد ولد المنى