قراءة أولية في المستجدات التشريعية بقانون الهجرة الموريتاني 

تهدف هذه العجالة إلي قراءة أولية في المستجدات  الجديدة بالقانون الموريتاتي المتعلقة بقضايا الهجرة وخاصة القانونين 038/2024 و 039/2024 المنشورين بالجريدة الرسمية في العدد رقم1568 الصادر بتاريخ 30/10/2024 وهي مستجدات شكلت تحولات نوعية في الترسانة القانونية الوطنية لما أضافته علي مستوي النص العقابي وكذا المحاكم الوطنية المستحدثة خصيصا لهذه الظاهرة التي تزايدت بشكل مقلق ولافت أصبح يهدد الأمن الوطني والإقليمي .

 

 

أولا القانون 038/2024

 

جاء القانون 038/2024 ليعدل أحكام القانون 046/65 الصادر بتاريخ 23 فبراير 1965 من خلال المادتين الجديدتين الاولي والثالثة ليرفع مستوي العقوبة ويوسع من نطاق التجريم بالتنصيص علي أفعال جديدة إذ نصت المادة الأولي جديدة علي أنه يعاقب بغرامة مالية من خمسين ألف اوقية إلي خمسمائة ألف أوقية وبالسجن من شهرين إلي ستة أشهر أو بإحدي هاتين العقوبتين كل من :

1- دخل التراب الوطني بدون المرور بأحد المعابر الرسمية المحددة من طرف السلطات المختصة أو أقام في بلادنا بطريقة مخالفة لأحكام أنظمة الهجرة خصوص تلك المتعلقة بالإقامة 

2- كل من قدم العون والمساعدة لأي شخص بغرض الدخول أو الإقامة في بلادنا بطريقة احتيالية مع علمه بذلك 

3- كل من لم يلتزم بالمتطلبات الصحية المنصوص عليها في الترتيبات الجاري بها العمل 

4- الأجانب الذين خالفوا الأحكام التالية :

. منع الدخول في مناطق معينة أو أماكن محددة 

. الحكم بالإبعاد من نفس المناطق أو الأماكن , دون الإخلال بإجراءات الطرد التي يجوز اتخاذها ضد أي أجنبي من المحتمل أن يؤدي وجوده أو نشاطه إلي الإخلال بالنظام العام

5- الأجانب الذين خالفوا أي من أحكام أنظمة الهجرة المتعلقة بممارسة النشاط المهني 

وإذا كانت المادة الأولي جديدة قد وضعت بين يدي القاضي عقوبتيناختياريتين إما الحكم بالغرامة أو بالحبس فعلي خلاف ذلك جاءت المادة الثالثة جديدة بعقوبات حبسية واستبعدت الغرامة كعقوبة بدلية وحسنا فعل مشرعنا الوطني بتبنيه لعقوبات سالبة للحرية إذ أنها أكثر ردعا من الغرامات في مثل هذه الجرائم , ورغم أن نص القانون وردت فيه عبارة السجن بدل الحبس وهو خطأ غالبا مايكون بسبب الترجمة إذ أن الحبس هو الوصف القانوني الأدق طبقا للمادة 34 من القانون الجنائي التي نصت علي أنه تتراوح مدة الحبس بين أحد عشر يوما علي الأقل وخمس سنوات علي الأكثر بينما تتراوح مدة السجن طبقا للمادة 20 من القانون الجنائئ بين خمس سنوات علي الأقل وعشر سنوات علي الأكثر.

والملاحظ أنه رغم تكرار عبارة السجن في المادتين المستحتدثتين في النص الجديد إلا أن جميع العقوبات حبسية إذ لا يتجاوز أقصاها مدة السنتين .

وبالرجوع لنص المادة الثالثة جديدة التي نصت علي أنه يعاقب بالسجن من ستة أشهر إلي سنتين كل من :

. كل من - بهدف الحصول علي إصدار تأشيرة أو إعفاء من ضمانة أو تمديد أو تصريح إقامة - استخدم وثائق ثبت أنها مزورة أو مزيفة أو حصل علي هذه الوثائق بهوية مزورة أو باستخدام بيانات حالة مدنية مزورة .

. كل من قام بتزوير تأشيرة قنصلية أو ضمانة كاذبة للعودة إلي الوطن أو إعفاء من الضمانة أو عقد عمل كاذب أو بطاقة هوية أجنبية 

. كل من زيف إحدي هذه الوثائق صحيحة الأصل 

. كل من استخدم أيا من الوثائق أعلاه مصطنعة أو مزيفة 

وفي جميع الأحوال فإن أي أحنبي ارتكب إحدي مخالفات التشريعات الموريتانية المنظمة للهجرة والإقامة يتم إبعاده تلقائيا من التراب الوطني ويحظر عليه الدخول لفترة تتراوح بين سنة وعشر سنوات بناء علي تقدير السلطات الإدارية المختصة .

والواضح من خلال المادتين المستحدثتين هو إرادة المشرع لملأ الفراغ التشريعي من خلا ل التضييق أكثر علي المتلاعبين بنظام الهجرة والاقامة سواء كانوا أجانب أو موريتانيين وذلك من خلال توسيع نطاق التجريم كالتنصيص علي جريمة دخول التراب الوطني بدون المرور بأحد المعابر الرسمية المحددة من طرلف السلطات المختصة وكذلك تجريم كل من قام بتزوير ضمانة كاذبة للعودة إلي الوطن أو إعفاء من الضمانة أو عقد عمل كاذب أو بطاقة هوية أجنبية و كل من قدم العون والمساعدة لأي شخص بغرض الدخول أو الإقامة في بلادنا بطريقة احتيالية مع علمه بذلك وهي ممارسات شائعة ويمتهنها رواد الإدارة سواء أجانب أو مواطنين متعاونين معهم ورغم ذلك نلاحظ أن المشرع وسع من نطاق التجريم إلي درجة يصعب معها تحديد نطاق الفعل المحظور كما ورد في نص الفقرة الثالثة من المادة الأولي الجديدة والتي جاء فيها أن كل من لم يلتزم بالمتطلبات الصحية المنصوص عليها في الترتيبات الجاري بها العمل يمكن أن تسلط عليه عقوبة قد تصل للحبس سنتين والسؤال الذي يتبادر إلي الذهن ماهي هذهالمتطلبات الصحية والترتيبات الجاري بها العمل وينصرف الذهن غالبا إلي البروتكولات الصحية التي تطبق لمنع انتشار العدوي ونقلها للبلاد خاصة للمسافرين القادمين من بلاد موبوئة ولعل تجربة كوفيد 19 غير بعيدة إذ كثيرا ما تشترط بعض الدول على الوافدين إثبات تلقيهم لجرعات تلقيحية أو فحوص تثبت خلوهم من العدوي وهي بروتوكولات متغيرة ومن الصعب علي الوافدين وحتي المواطنين الإلتزام بها خاصة أن نص المادة ورد بصفة عامة إذ جاء فيها كل من لم يلتزم مما يعني أن المواطن يقع تحت طائلة نص المادة التي تجرم مخالفة الترتيبات الصحية الجاري بها العمل ونفس المقتضي ورد أيضا في الفقرة الخامسة من المادة الأولي جديدة التي ورد فيها أنه يعاقب بستة أشهر الي سنتين الأجانب الذين خالفوأي من أنظمة الهجرة المتعلقة بممارسة النشاط المهني فما هي تلك الأنظمة المتعلقة بالنشاط المهني التي قد يؤدي مخالفاتها من طرف الأجانب إلي تلسيط عقوبة قد تصل إلي سنتين من الحبس .

إن مبدأ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص والمكرس في قانونا الجنائي بنص المادة 4 التي جاء فيها لا عقوبة علي المخالفة أو الجنحة أو الجناية إلا بمقتضي نص قانوني سابق علي ارتكابها . هذا المبدأ يفرض عليمشرعنا الوطني تحديد قائمة الجرائم و لا يكفي الإحالة علي نصوص ولوائح متغيرة إذ أنه يجب تحديد قائمة الأفعال المجرمة سواء تلك المتعلقة بالنظام الصحي أو النشاط المهني حتي نوفر ضمانات قانونية أكثر تمنع الشطط وتسد الباب أمام أي قراءات قد لا تكون لدواعي قانونية.

وقبل أن نختم قرائتنا المتعلقة بالنصوص العقابية المستحدثة بموجب القانون 038/2024 نتوقف عند العقوبات التابعة أو المكملة التي وردت في الفقرة الأخيرة من المادة الثالثة جديدة والتي نصت علي أنه :"وفي جميع الأحوال فإن أي أحنبي ارتكب إحدي مخالفات التشريعات الموريتانية المنظمة للهجرة والإقامة يتم إبعاده تلقائيا من التراب الوطني ويحظر عليه الدخول لفترة تتراوح بين سنة وعشر سنوات بناء علي تقدير السلطات الإدارية المختصة ." من المؤكد أن هذه العقوبة إدارية وتسلطها الإدارة ولها سلطة تقديرية واضحة بمقتضي النص في تحديد مدة الإبعاد وهي عقوبة تأتي بعد إنقضاء محكومية العقوبة القضائية أو بعد توقيعها علي الجاني إذا كانت مجرد غرامة لكن السؤال المشروع هنا هل يحق للإدارة إنزال عقوبة الإبعاد علي الأجنبي دون المرور بالقضاء خاصة أن نص المادة ورد فيه أن " أي أجنبي ارتكب إحدي مخالفات التشريعات الموريتانية المنظمة للهجرة و الإقامة يتم إبعادة تلقائيا " نعتقد أن هذه التلقائية التي وردت في النص إنما تعني أن عقوبة الإبعاد تأتي بصفة تلقائية بعد إنزال العقوبات القضائية التي تنطق بها المحاكم ومع ذلك فإن النص الجديد تحدث عن إجراءات الطرد ولا شك أن الطرد مرادف للإبعاد وقد نصتالمادة الأولي علي أنه يعاقب الأجنبي الذي يخل " بأحكام الإبعاد من نفس المناطق أو الأماكن , دون الإخلال بإجراءات الطرد التي يجوز اتخاذها ضد أي أجنبي من المحتمل أن يؤدي وجوده أو نشاطه إلي الإخلال بالنظام العام. " مما يعني أن الإبعاد قد يكون جزئيا كأن يحظر مثلا علي أجنبي التواجد في مناطق محددة من التراب الوطني كما قد يكون كليا ويشمل كافة التراب الوطني بينما الطرد يكون بإبعاد الأجنبي عن كامل التراب الوطني وهو علي ما يبدوا إجراء إداري ذو طابع إحترازي قد تقرره السلطات الإدارية دون الرجوع إلي القضاء ويكون الأجنبي الذي يخل بمقتضيات الطرد مرتكبا لجريمة مخالفة التشريعات الموريتانية المنظمة للهجرة و الإقامة.

 

 

ثانيا القانون 039/2024

 

بصدور القانون 039/2024 تنشأ محكمة من الدرجة الأولي جديدة في النظام القضائي الموريتاني لها إختصاص وطني شامل تسمي المحكمة المتخصصة لمحاربة العبودية والإتجار بالأشخاص وتهريب المهاجرين وقد ورد القانون الجديد في إثني عشر مادة مخصصة لتشكيلة المحكمة واختصاصتها وتركيبتها وكيفية تعهدها وآلية بتها وطرق تعيين قضاتها وكتابات ضبطها وتسييرها وبالمجمل يمكن إستعراض أهم الترتيبات الجديدة من خلال محورين محور يتعلق بتشكيلة المحكمة واختصاصتها ومحور ثان يتعلق بالإجراءات والتعهد وإصدار الاحكام.

 

 

أولا تشكيلة المحكمة وإختصاصها

 

تضم المحكمة الجديدة تشكلتين للحكم تشكيلة ثلاثية تتكون من ثلاث قضاة رئيس ومستشارين لهما صوتان إستشاريان وتشكيلة أخري من قاض فرد تتكون من قاض هو رئيس المحكمة بحكم منصبه أو أحد مستشاريه ينتدبه رئيس المحكمة بموجب أمر قضائي, ويتولي رئيس كتابة الضبط لدي المحكمة تنيسق أشنطة كتابة الضبط وتوزيع موظفيها تحت إشراف الرئيس .

تنظر وتبت تشكيلة القاضي الفرد في الجرائم التي يعاقب عليها بالحبس لمدة أقل أو تساوي خمس سنوات ودون حد للغرامة أو التعويض بينما تنظر وتبت التشكيلة الجماعية في الجرائم التي يعاقب عليها بالسجن أو الحبس لمدة تزيد علي خمس سنوات .

يتولي التحقيق بالمحكمة قاضي تحقيق أو أكثر معين لهذا الغرض ولا يحول ذلك دون إمكانية تقديم طلب فتح تحقيق أمام قضاة التحقيق لدي محاكم الولايات في وقائع تدخل في إختصاص المحكمة عن طريق  وكيل الجمهورية المختص ترابيا إلا أنه عندما يتعهد قضاة التحقيق في محاكم الولايات فإنهم يقومون في نهاية التحقيق بإحالة القضية أمام رئيس المحكمة المختصة لمحاربة العبودية والإتجار بالأشخاص وتهريب المهاجرين.

أما النيابة العامة فيتولي مهامها وكيل جمهورية متخصص يساعده نائب أو أكثر ويخضعون لسلطة المدعي العام لدي محكمة الإستئناف بانواكشوط الغربية ويقوم وكيل الجمهورية المتخصص بتنسيق عمل النيابة العامة مع وكلاء الجمهورية لدي محاكم الولايات من خلال التصرف المناسب علي الشكاوي و البلاغات و الأبحاث التي ترد عليهم والمتعلقة بجرائم تدخل في نطاق إختصاص المحكمة.

أما بخصوص إختصاص المحكمة فرغم أن القانون المنشأ لها لم يبوب عليه ولم يتعرض له صراحة إلا أنه يمكن إستنتاجه من خلال إسم المحكمة نفسها أي المحكمة المتخصصة لمحاربة العبودية والإتجار بالأشخاص وتهريب المهاجرين كما تعرض له أيضا في أكثر من مادة كلما تطرق للإختصاص ومن ذلك ما نصت عليه المادة الرابعة التي جاء فيها يتولي وكيل الجمهورية المتخصص تنسيق عمل النيابة العامة في الجرائم التي تدخل في إختصاص المحكمة المتخصصة لمحاربة العبودية والإتجار بالبشر وتهريب المهاجرين ومن الواضح أن الجرائم التي تختص بها المحكمة هي تلك الجرائم المنصوص عليها في القانون 038/2024 المعدل لأحكام القانون 046/65  خاصة المادتين الأولي جديدة و الثالثة جديدة بالإضافة طبعا للجرائم المنصوص عليها في القانون رقم 031/2015 المجرم للعبودية والممارسات الإستعبادية والقانون رقم 017/2020 المتعلق بمنع ومعاقبة الإتجار بالأشخاص وحماية الضحايا و القانون 021/2010 المتعلق بمكافحة تهريب المهاجرين غير الشرعيين المعدل والمكمل بالقانون رقم 018/2020.

ورغم أن توجه المشرع الموريتاني واضح في حصر اختصاص المحكمة الجديدة وحدها في البت في الجرائم المتعلقة بمحاربة العبودية والإتجار بالبشر وتهريب المهاجرين علي كافة التراب الوطني بل أعطاها إمكانية عقد جلساتها في أي دائرة من التراب الوطني إلا أنه ورغم ذلك منح الإختصاص لمحاكم أخري في البت في جرائم من إختصاص المحكمة المتخصصة لمحاربة العبودية والإتجار بالأشخاص وتهريب المهاجرين إذا كانت هذه الجرائم مرتبطة بجرائم رئيسية تدخل في نطاق الإختصاص النوعي لتلك المحاكم كما لو كانت هناك جرائم من اختصاص المحكمة ولكنها مرتبطة بجرائم أمن الدولة أو جريمة إرهابية فحين إذن يمكن للمحكمة الجنائية المختصة في جرائم الإرهاب أن تبت في تهم تتعلق بالإتجار بالأشخاص أو تهريب الهاجرين أو الإستعباد ما دامت مرتبطة بجرائم من إختصاصها.

وقبل أن نختم المحور المتعلق بتشكيلة المحكمة واختصاصها لابد من الإشادة بالمقتضيات الحمائية الخاصة بالقصر التي نص عليها القانون المنشئ للمحكمة إذا ما تعلق الأمر بجريمة تدخل ضمن نطاق إختصاصها و مرتكبة من طرف طفل دون سن الثامنة عشر سواء كان فاعلا أو شريكا ففي هذه الحالة تبت التشكيلة الجماعية للمحكمة وبعضوية المستشارين الإجتماعيين المعتمدين لدي المحكمة الجنائية للأطفال وتطبق قانون الحماية الجنائية للطفل.

 

 

ثانيا: التعهد والإجراءات وإصدار الأحكام

 

نصت المادة الثامنة من القانون 039/2024 المنشئ للمحكمة علي أنها تتعهد بطلب من وكيل الجمهورية المتخصص في حالة التلبس أو الإحالة المباشرة وفقا لأحكام قانون الإجراءات الجنائية وأضافت الفقرة الأخيرة من نفس المادة أنه يمكن كذلك أن تتعهد المحكمة عن طريق أمر بالإحالة صادر عن قاضي التحقيق أو أي محكمة أعلي مختصة أو عن طريق عريضة للقيام بالحق المدني من طرف الضحية أو من طرف أي شخص مؤهل لذلك. وهذا يعني أن المشرع شرع باب التعهد مفتوحا أمام أي شخص يري أنه ضحية لأحدي الجرائم الداخلة في نطاق إختصاص المحكمة ليتقدم بعريضة أمامها وكنا نفضل أن تكون إمكانية اللجوء إلي المحكمة مشروطة بالمرور أولا بالنيابة العامة أو علي الأقل قاضي التحقيق حتي لا نشجع الدعاوي الكيدية التي قد تغرق المحكمة خاصة أن إختصاصها يشمل كافة التراب الوطني والمشرع أعطي للسلطات القضائية في كافة الولايات إمكانية التصدي للشكاوي والبلاغات والوقائع الداخلة في إختصاص المحكمة, ومهما يكن من أمر فإن مشرعنا الوطني عبر عن رغبته في تعهد المحكمة في أي واقعة قد تندرج في نطاق الجرائم المختصة بها مما يعني أنه أعطي الكلمة الفصل لقضاء الحكم مقلصا بذلك السلطة التقديرية للنيابة العامة وحتي قضاء التحقيق في تقدير قرار المتابعة إذا ما تعلق الأمر بوقائع ينتصب فيها طرف مدني .

وإذا كان المشرع أبقي الباب مفتوحا من خلال إمكانية تعهد المحكمة عن طريق عريضة للقيام بالحق المدني فإنه من اللافت للإنتباه أن أصوات القضاة المستشارين ذات طبيعية إستشارية فقط وليست ملزمة لرئيس المحكمة الذي يعود الحكم لصميم قناعته الوجدانية علي خلاف جميع المحاكم في النظام القضائي الموريتاني التي تصدر أحكامها بناء علي نتيجة التصويت التداولي للقضاة ولا عبرة لصوت الرئيس إذ الحكم يكون فيها للأغلبية ومن الواضح أن المشرع الموريتاني أناط مسؤولية الحكم في الجرائم التي يعود فيها الإختصاص للمحكمة المتخصصة لمحاربة العبودية والإتجار بالأشخاص وتهريب المهاجرين لرئيس المحكمة وحده الذي له أن ينطق بقناعته فقط بناء علي مايثارأمامه من أدلة ومثبتات وله واسع التقدير في الأخذ بها أو العدول عنها.

وإذا كان القانون نص صراحة علي أن أصوات المستشارين إستشارية وليست تداولية فإنه منحهم إمكانية إجراء تحقيقات تكميلية إذ نصت الفقرة الثالثة من المادة الثالثة من قانون المحكمة علي أنه لرئيس المحكمة أن يعين أحد مستشاريه ليقوم بإجراء تحقيق تكميلي في الملفات التي تعهدت فيها المحكمة ولهذا الأخير بواسطة إنابة قضائية ولحسن سير العدالة أن يكلف بهذه المهمة أو جزء منها أي قاضي تحقيق أو ضابط شرطة قضائية 

وإذا كان قانون المحكمة لم يتعرض صراحة للإجراءت المطبقة أمام المحكمة وكذا طرق الطعن في أحكامها فإنه من الواضح أن المحكمة لها تشكيلتين جنحية وجنائية وهي بذلك تطبق الأحكام المبوبة في قانون الإجراءات الجنائية في مادتي الجنح والجنايات .

وإذا كان من ملاحظة لافتة للإنتباه هو غياب الترتيبات الإنتقالية ذلك أن قانون المحكمة بدلا من أن ينص علي أنه تبقي المحاكم المنشورة أمامها قضايا من اختصاص المحكمة متعهدة إلي أن تتشكل المحكمة نص صراحة علي أن محاكم الدرجة الأولي تتخلي عن القضايا الجارية المعروضة أمامها و التي تدخل في إختصاص المحكمة عند نفاذ هذا القانون والذي أصبح نافذا من يوم نشره في الجريدة الرسمية بتاريخ 30/10/2024 وهو ما يعني أن المتهمين المشمولين في قضيا جارية سيجدون أنفسهم في مواجهة محكمة لم تتشكل إلا في القانون وليس لها وجود في الواقع مما قد يمس بحقوقهم ويطيل من أمد فترة الحبس الإحتياطي لديهم.

غير أن الملاحظة الأكثر غرابة هو ما نصت عليه الفقرة الأخيرة من المادة 11 التي نصت علي أنه تطبق أحكام المادتين 3 و 4 علي القضايا الجارية والمنشورة قبل نفاذ هذا القانون ...!!! فكيف لنص قانوني أن يخلق ترتيبات ومراكز قانونية حتي قبل نفاذه.

 

وفي ختام استعراضنا للمستجدات التشريعية للقانون الموريتاني في مجال الهجرة ينبغي التأكيد علي أهمية تحيين الإطار القانوني للهجرة وخاصة علي مستوي الشكل ونقصد بالشكل إجراءات التقاضي وطرق سير الدعوي العمومية وسير مختلف أجهزة العدالة الجنائية من نيابة عامة وقضاء تحقيق وحكم ويشكل إستحداث محكمة متخصصة لمحاربة العبودية والإتجار بالأشخاص وتهريب المهاجرين محاولة جادة لتأمين أحسن السبل و أيسرها لتحقيق العدالة الجنائية في وقت أقصر وبشكل أكثر يقينا .

وعلي مستوي المضمون وبالرغم من أن القانون 038/2024 ركز علي البعد الأمني في قضية المهاجرين ولم يتعرض لحقوق المهاجر فإنه ينبغي التذكير هنا علي أن موريتانيا وقعت علي عديد المعاهدات والإتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق المهاجرين كالإتفاقية الدولية لحماية جميع العمال المهاجرين وأسرهم والتي صادقت عليها موريتانيا 22 يناير 2007 والاتفاقية الدولية للقضاء علي جميع أشكال التمييز العرقي والتي صادقت عليها موريتانيا 13 ديسمبر 1988 بالإضافة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان وغيره من الصكوك والمواثيق الدولية التي صادقت عليها موريتانيا مما يشكل أساسا قانونيا لحماية المهاجرين خاصة أن الدستور الموريتاني نص في المادة 80 علي أنه للمعاهدات والإتفاقيات المصدقة و الموافق عليها كذلك سلطة أعلي من سلطة القوانين كما نصت المادة 21 من دستور الجمهورية الإسلامية الموريتانية أيضا علي أنه يتمتع كل أجنبي موجود بصفة شرعية علي التراب الوطني بحماية القانون لشخصه وممتلكاته , كما أن القانون رقم 017/2020 المتعلق بمنع ومعاقبة الإتجار بالأشخاص وحماية الضحايا يشكل أيضا مكسبا تشريعيا لقانونا الوطني لما يوفره من حقوق وضمانات للمهاجرين واللاجئين وغيرهم من الفئات الهشة . 

 

القاضي  أحمد ولد ألبو

[email protected]

 

ثلاثاء, 26/11/2024 - 12:18