تُعدّ المرحلة الابتدائية الأساس الذي يبنى عليه مستقبل الطفل التعليمي والشخصي و في موريتانيا، كما في العديد من الدول الأخرى، يُلاحظ تركيز كبير على الجانب التعليمي عبر ترسيخ المهارات العلمية في ذهن التلميذ، بينما يبدو أن التربية كقيمة أساسية لبناء الشخصية تُهمَل أو تُقلَّص أهميتها مقارنة بالتعليم.
في هذه المرحلة الحساسة من حياة الطفل، يجدر بنا التساؤل: أيهما أهم، التربية أم التعليم؟ الإجابة ليست ببساطة اختيار أحدهما على حساب الآخر، بل يتعلق الأمر بدمجهما بشكل متوازن حيث أن التربية تُعنى بغرس القيم الأخلاقية والسلوكيات الإيجابية التي تصقل شخصية الطفل وتؤهله ليكون مواطناً صالحاً، في حين أن التعليم يهدف إلى تزويد الطفل بالمعرفة والمهارات التي يحتاجها ليواجه المستقبل.
إن التركيز على التربية في هذه المرحلة له مبررات قوية فالطفل يكون أكثر استعداداً لتشكيل شخصيته واستيعاب القيم الأخلاقية. وإذا تم إهمالها فقد يكتسب الطفل تعليماً جيداً ولكن دون إطار أخلاقي يُوجّه استخدام هذه المعرفة بشكل صحيح.
السؤال الثاني، ماهو دور المعلم الذي يجب أن يكون مربيا ومدرسا في آن واحد؟ وهل المعلم في موريتانيا مُكوّن بشكل يتيح له أداء هذا الدور المزدوج؟ غالباً ما يُركّز تكوين المعلمين على الجوانب المعرفية، مع تجاهل واضح لتطوير المهارات التربوية. أضف إلى ذلك ضعف تأهيل الكادر الإداري في المدارس وهو ما يُقلّل من فعالية المنظومة ككل في تحقيق التوازن المطلوب بين التربية والتعليم.
من جهة أخرى، يجب أن ينصب تركيز وزارة التربية و إصلاح نظام التعليم على تحسين وتطوير القيم والسلوكيات أكثر من المحتوى الأكاديمي. يجب إعادة النظر في برامج تكوين المعلمين لتشمل جوانب تربوية. يجب كذالك تعزيز دور الإرشاد النفسي والتربوي في المدارس، وضمان تأهيل إداريين قادرين على وضع التربية في صميم العملية التعليمية.
يجب أيضا على الوزارة أن تتخذ إجرا آ ت جديدة و صارمة في اكتتاب المعلمين وأن تزيد سنوات التكوين وأن تعطي المعلم قيمة و هيبة بعد التخرج.
بين هذا وذاك، يتوجب على آباء التلاميذ توخي الحذر و مراقبة مسار و تطور أخلاقيات أبنائهم و أن يكونو واعين لخطورة المرحلة.
أخيرا، فإن تحقيق التوازن بين التربية والتعليم ليس خياراً بل ضرورة، لأن بناء جيل متعلم وأخلاقي هو الضمان الأمثل لمستقبل أفضل.
محمد محمود آبيه (كاتب موريتاني مهتم بالشأن المحلي)
[email protected]