متى يستقيم الظل والعود أعوج؟

خلال متابعتي لبعض القنوات العربية وللتحاليل التي ترد على شاشاتها بخصوص الحرب الدائرة رحاها في فلسطين ولبنان ، كنت في كل مرة أستغرب من الرؤية الساذجة لبعض المحللين الإنهزاميين ولبعض الإنتهازيين والخونة العرب الخانعين والخائفين على كراسي أولياء نعمتهم ، فكل هؤلاء يحملون مسؤولية ما ترتكبه إسرائيل من مجازر ودمار في هذين البلدين العربيين ، لفصائل المقاومة الفلسطينية التي نفذت طوفان الأقصى ، ولحزب الله الذي دخل على الخط كجبهة إسناد لغزة ، أدت حسب قولهم الى ما يعانيه لبنان اليوم من قتل ودمار وتشريد للمدنيين .

 

مثل هؤلاء المحللين التائهين في عتمة العدوان الإسرائيلي المزمن ، لا يمتلك مثقال ذرة من الروح العربية الأصيلة ولا من العقيدة الإسلامية السمحة التي تحث على التعاضد وعلى أن يكون المسلم للمسلم كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا ، فهؤلاء بضلالهم المبين عن القيم والأخلاق وعن التآلف وقوة الروابط الأخوية ، لأيدركون وقع اللعنة المتورطين فيها ولا حجم الخطر الذي يستهدف أمتهم نتيجة تخاذلهم وتهاونهم في تأمين مصيرها .

 

 ربما لم يسمع هؤلاء كما أسيادهم من الحكام الجبناء بقصة الثيران الثلاثة التي تكمن خلاصتها في حال الثور الأسود عندما بقي وحيدا وقال حينها "أكلت يوم أكل الثور الأبيض"

 

لقد غفل حكامنا المتخاذلون ومن يجري في فلكهم من أشباه المحللين - بقصد أو بغير قصد - هول الخيانة التي ستطاردهم وفظاعة الدور الذي سيأتي عليهم يوما ما ، هذا إن كانوا قد سمعوا في التاريخ أصلا بأن روما لا تجازي الخونة ، وبالتالي فإن نصيبهم من الذم وافر ولن ينجيهم خوفهم وعمالتهم من السقوط وسوء الخاتمة هم وببغاواتهم التى تكرر فضائحهم على المسامع بغير إستحياء ، فأي إستمرارية في السلطة ينشدها أولئك الحكام الجبناء بمعزل عن العزة والكرامة ، وقد وظفوا جيوش بلدانهم الجرارة لتأمين كراسيهم المتهالكة وحماية عروشهم الذابلة وقمع شعوبهم المناضلة وفوق ذلك كله خدمة الأجندات الظالمة لأسيادههم الغربيين ، فإستهانتهم بإرادة شعوبهم المداسة اليوم بأبشع الصور في فلسطين ولبنان ، وأديست قبل ذلك في العراق وليبيا وسوريا لن تطول وستجلب لهم لا محالة الخزي والعار لا سيما بعد ما بلغ السيل الزبا.

 

إن الخلل الواضح والعوج البين يكمن بدون أدنى شك في تخاذل حكام هذه الأمة وإستكانتهم وليس في إرادة شعوبهم المقهورة ، فهؤلاء بهم حول عن المصير وطرش عن وقع الأحداث وخرس عن قول كلمة الحق وشلل عن مناصرة قضايا أمتهم العادلة ، فصاروا بتفاهتهم مجرد كتلة من عجين تقولبها أمريكا طبقا لأهوائها وتلعب بها إسرائيل كيف ما أرادت ،  

 

عام كامل من المجازر المروعة والدمار المتواصل والتجويع الممنهج والتجريف والخراب للبنية التحتية ولكل مقومات الحياة في قطاع غزة ، ولا من معتصم  يحرك ساكنا أو ينبس ببنت شفة أو يرسل إشارة تضامن على الأقل مع ذوي القربى في فلسطين الجريحة ، لماذا كل هذا الموت السريري لحكامنا في وقت أصبحت فيه جرائم إسرائيل شمسا على عالم وبلغ فيه التكالب الغربي أوجه دعما مخابراتيا ، عسكريا ، سياسيا وماديا لها ، وحول القطاع والضفة الغربية والضاحية الجنوبية لبيروت وجنوب لبنان الى مقابر جماعية والى آثار بعد عين .

لقد بلغت الدماء العربية الركاب في كل هذه المواطن ولا من مخلص ولا حسيب ولا رقيب ، بإستطاعته لجم إسرائيل عن التهور والتصعيد وعن قتل المزيد من المدنيين العزل ، وتجاوز كل الأعراف والقوانين بعدوان سافر على سيادة دول قائمة بذاتها .

 

لا أحد ينكر أن إسرائيل هي يد أمريكا الطولى في الشرق الأوسط ، وأنها هي الحارس الأمين لمصالحها الإستيراتجية في هذه المنطقة من العالم ، ولذلك ليس غريبا أن تدعم الولايات المتحدة الأمريكية إسرائيل سياسيا وعسكريا وأن تطلق لها العنان لتفعل ما تشاء في تجاوز صارخ لكل القوانين والقيم الإنسانية ، فأمريكا خططت منذ زمن بعيد لشرق أوسطي جديد يكون بلا أنياب ولا مخالب ، ولذلك عملت وتعمل بما أتيت من قوة على إستئصال أذرع المقاومة وإستهداف إيران التي ترعاها وتمدها بما لم يمدها به أشقاؤها العرب ، وهكذا دأبت أمريكا على شيطنة الجمهورية الإسلامية الإيرانية وجعلها هي العدو الأكبر والوحيد لكل العرب ولتطلعاتهم نحو الأمن والإستقرار ، وإختلقت لذلك صراعا بين الشيعة والسنة جعل من دول هذه الأخيرة صديقا وفيا لإسرائيل ، بل وحرضتهم على الإعتراف بها والوقوف الى جانبها سدا منيعا أمام الخطر الإيراني المزعوم ، الشئ الذي جعلهم يتاجرون بفلسطين التي يعتبرونها قولا لا فعلا قضيتهم المركزية ، بدليل تطبيع بعضهم للعلاقات مع إسرائيل ، ونية بعضهم الآخر الإنخراط في هذا التوجه ، وهاهنا تكاملت فصول الردة وتعاظمت الخيانة ووقعت المصيبة التي لا تغتفر .   

 

نحن هنا وفي ظل هذه المأساة المريرة وهذا التخاذل المريب لا نلوم حكامنا الخونة وحسب ، بل أننا نعتب أيضا على بعض شعوبنا التي نزل الطير على رأسها ولم تقتد بالشعب اليمني الذي يخرج في كل مرة نصرة للمقاومة ، لا سيما بعد إستهداف قادتها وزعمائها الأفذاذ وإستشهادهم قربانا على مذبح التحرر والإنعتاق ، أولئك الأبطال الميامين الذين رفعوا رؤوسنا وجعلوا عزيمتنا على النصر تطاول عنان السماء ، فمآثرهم ونكرانهم لذواتهم وتسخير كل حياتهم لعزة الشعوب العربية وكرامتها أمانة في أعناقنا ويجب أن نجعل منها نبراصا نقتدي به دائما وأبدا للخروج من نفق الظلم والإستبداد الذي حشرتنا فيه ثلة من حكامنا الخانعين ، فمتى يستقيم الظل والعود أعوج ؟ 

 

 محمد حسنة الطالب

  •  

 

أربعاء, 06/11/2024 - 08:18