مقابل قطاع غزة... واشنطن تحاول منع انهيار النظام العالمي

الحاصل في قطاع غزة ليس حرباً متكافئة بالمعنى الاصطلاحي للكلمة, بل هو عمليات ابادة جماعية وتطهير عرقي وتدمير ممنهج تغذيها ايدولوجيات ظلامية غاية في التطرف غايتها الاسمى خدمة اجندة امريكية غربية في المقام الاول.

الحرب المتكافئة تكون بين طرفين او اكثر متقاربين في القوة ان لم يكونا مكتافئين, ومن هذا المنطلق لا تطلق روسيا على ما يجري بينها وبين اوكرانيا حرباً بل تسميه "عملية عسكرية خاصة".

ما يجري الان في قطاع غزة بين رابع اقوى جيش في العالم يمتلك اكبر ترسانة اسلحة في الشرق الاوسط واكثرها تقدماً واشدهاً فتكاً بما في ذلك آلاف الطائرات القاتلة الاحدث على مستوى العالم بما فيها إف 35 وإف 22 وإف 16 وإف 15 والمروحيات والمسيرات بالاضافة الى ألاف الدبابات والمدرعات ومئات القطع البحرية والغواصات وحتى مئات الرؤوس النووية, وتشاركه جنبا الى جنب أعتى قوة عسكرية في تاريخ البشرية بكل ترسانتها بما في ذلك حاملات طائراتها وغواصاتها وقنابلها الرهيبة الذكية والغبية والتي يبلغ وزن بعضها حوالي 1000 كيلوجرام واجهزة استخباراتها واقمارها الصناعية وكل وسائل تجسسها ودبلوماسييها وساساتها واعلامها ونفوذها الهائل في العالم وتجنيدها اقوى حلف عسكري في التاريخ (ناتو) بالاضافة الى بعض الدول العربية والاسلامية (للاسف) يعني عمليا كل العالم, كل ذلك لمواجهة مجموعة من طالبي الحرية يقبعون تحت حصار ظالم منذ اكثر من 17 عاماً حرمهم من كل شيئ تقريبا ومع اللذين يقاومون محتلاً غاشماً يغتصب وطنهم ويجثم علىارضهم بما تيسر لهم من أسلحة خفيفة وما يملكوه من ايمان راسخ بالله عز وجل ثم بعدالة قضيتهم ووجوب تحرير بلادهم من هذه العصابات الصهيونية الغازية التي نهبت اراضيهم وبيوتهم وسرقت ثرواتهم واستولت على مقدراتهم وحرمتهم من حريتهم ومازالت منذ ثمانية عقود وتتنكر لكافة حقوقهم وتقوم عمداً بقتل خيرة شبابهم بوتيرة يومية وتدمر بيوتهم وتقتلع اشجارهم وخصوصاً اشجار الزيتون ايقونة صمودهم ومصدر رزقهم وتخرب مزروعاتهم وتهود مدنهم وقراهم.

وفقاً لمنطق الامور, ما يجري في قطاع ليس حرباً بأي حال من الاحوال, اذ ان الطرف الذي يمتلك القوة الغاشمة الذي اشرنا اليها يوجهها للابادة الجماعية للمدنيين والابرياء وهدم بيوتهم فوق رؤوسهم وتشريد من بقي حياً منهم تحت التهديد بالقتل اذ لم يفعلوا ليهيموا على وجوههم في الشوارع والطرقات بعد حرمانهم عمداً من الماء والغذاء والدواء والاتصال والتواصل وكل مقومات الحياة, وفوق كل ذاك قام ويقوم بقتلهم بمنهجية على نواصي الطرقات وعلى الارصفة, والانكى والامر انه دمر متعمداً كافة مستشفياتهم واخرجها من الخدمة لتصبح مقابر جماعية تعج بجثث الموتى من الاطفال الخدج والمرضى في العناية الفائقة ومرضى الغسيل الكلوي وغيرهم من اصحاب الامراض المزمنة, علاوة على تدميره عمداً لمصادر المياه والمخابز في غزة ليحرم الناس حتى من شربة الماء ورغيف الخبز وذلك امعاناً في البطش والقسوة والظلم واراقة الدماء.

وللدلالة على مدى وضاعة ودنائة اخلاق هذا العدو وتجرده من اي قيم انسانية وحتى حيوانية وما يشهد على بشاعة ومدى ارهابه واجرامه وانعدام الرحمة لديه ما قالته سيدة اردنية استطاعت التواصل مع الديوان الملكي الاردني الذي نجح باخراجها من غزة, وعند وصولها الى عمان ادلت بشهادة مرعبة نقلتها العديد من وسائل الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي فقالـت: "كنا مجموعة من النساء والاطفال متوجهين الى جنوب قطاع غزة بناءاً على تعليمات الجيش الصهيوني وكانت من بيننا سيدة نفساء تحمل طفلتها التي تبلغ اسبوع واحد فقط, وعلى مفترق طرق اعترضتنا قوة صهيونية فحقق معنا احد افرادها بلغة عربية تخالطها عجمة, ويبدو انه ضابط مهم, وطلب من السيدة ان ترمي ابنتها الرضيعة ذات الاسبوع على الارض, فحاولت ان تتوسل اليه فصوب نحوها سلاحة مهددا باطلاق النار عليها اذا لم تفعل خلال 3 ثوان, ففعلت, ثم التفت الى الام ثم الى الطفلة واطلق النار على الطفلة من مشهد وقف من هوله شعر راسي واقشعر بدني وفقدت الاحساس بنفسي, وسيرافقني هذا المشهد ككابوس طوال حياتي" انتهى الاقتباس, لعلهم بقتل طفلة عمرها اسبوع لتنضمالى قافلة من الشهداء تقدر بنحو 45 الف شهيد (حوالي منهم 75% منهم اطفال ونساء ومسنين تجاوزوا الستين), يحققون اهدافهم ويستردون قوة ردعهم ويحكموا سيطرتهم على كامل الشرق الاوسط....!!!!!!....حسبنا الله ونعم الوكيل...!!!

يمكن لسوء طالع اهل قطاع غزة ان هذه الحرب التي يشنها عليهم الكيان الصهيوني والولايات المتحدة وحلفاؤها جاءت في هذا التوقيت الحساس وفي هذه الظروف الدولية القاهرة التي تشهد فشل الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين في تحقيق اي انجاز عسكري او سياسي حقيقي على الساحة الاوكرانية أمام روسيا رغم ضخهم لمئات المليارات من الدولارات والاف الاطنان من الاسلحة والذخائر والدبابات والطائرات ومنظومات الدفاع الجوية التي ارسلوها لاوكرانيا, وتدرك واشنطن خطورة هزيمة حليفتها اوكرانيا وما يعنيه ذلك من هزيمة لها ولحلفائها وبالتالي للنظام الدولي التي تتزعمه (وتسخره للسيطرة على مقدرات الشعوب قهراً وظلماً وعدواناً), وهذا يعني بلا شك تعزيز المشروع الروسي الصيني المشترك الرامي الى تقويض هذا النظام الظالماحادي القطب التي تهيمن عليه واشنطن منفردة منذ اكثر من 3 عقود ومن ثم تأسيس نظام عالمي اخر متعدد الاقطاب واكثر انصافا وعدلاً يقوم على المصالح المشتركة لكافة شعوب ودول العالم.

الاندفاع الامريكي والغربي العسكري والسياسي والدبلوماسي للوقوف بفجاجة منفرة وبهذا الزخم غير المسبوق الى جانب الكيان الصهيوني يأتي في هذا السياق, لربما يستطيعوا تدارك فشلهم المدوي في اوكرانيا وتحقيق ما عجزوا عن تحقيقه امام روسيا هناك في قطاع غزة امام حركة مقاومة فلسطينية خاضغة لحصار مطبق لاكثر من 17 عاماً كما اشرنا وبامكانيات متواضعة جداً جداً مقارنة بامكانياتهم المرعبة, ولان فشلهم يعني اطلاق رصاصة الرحمة على نظامهم الدولي المتداعي والذي يشكل الكيان الصهيوني احد ركائزه, وهذا على الارجح ما يفسر تجنيد  الولايات المتحدة وحلفائها طائراتهم وحاملاتهم وبوارجهم وغواصاتهم واساطيلهم وخيرة جنرالاتهم وكوادر استخباراتهم واحدث تكنولوجياتهم العسكرية ضد أهالي قطاع غزة شبه العزل وقتل وجرح عشرات آلاف الاطفال والنساء والمسنين ومئات الصحفيين والكوادر الطبية والعاملين في المنظمات الدولية وعمال الاغاثة بدون تمييز, وترميل نحو18 ألف إمرأة وتيتيم حوالي 22 ألف طفل, علاوة على تدمير أكثر من 80% من بيوت اهالي قطاع غزة وتدمير البينة التحيتية كشبكات المياه والصرف الصحي والطرق وخطوط الكهرباء والاتصالات شبكة الانترنت وتدمير دور العبادة والمقابر والمستشفيات والمدارس والجامعات ورياض الاطفال, وحتى الشجر والحيوان.....وهذا ما كان متوقعاً, فهؤلاء الاشرار (الغرب والكيان الصهيوني)لهم تاريخ حافل في عالم الموت والقتل والمجازر والمجازر, الولايات المتحدة قامت اصلاً على اشلاء نحو 120 مليون انسان, وبريطانيا وفرنسا والمانيا وايطاليا وغيرهم من حلفاء الولايات المتحدة قتلوا اكثر من 150 مليون من بعضهم البعض في حروبهم المختلفة, والكيان الصهيوني قام على مجازر بحق الالاف من الفلسطينيين وغيرهم من العرب والمسلمين.

لغة الاجرام والارهاب والدم يتقنوها هؤلاء الاشرار تماماً ولا يتقنون غيرها, فكان من المتوقع ان يلجاؤا اليها دون غيرها لعلهم يلملمون شيئاً من كرامتهم وهيبتهم الذي امتهنت في اوكرانيا وتبعثر ما تبقى منها على غلاف غزة في السابع من اكتوبر العام الماضي...

هذا وهناك من يرى ان الامر اكبر بكثير من الكرامة والهيبة, حسب هؤلاء ان ما يحدث في قطاع غزة اكبر من وزن قطاع غزة واكبر من الكيان الصهيوني وحتى اكبر من الشرق الاوسط, الامر مسألة حياة او موت بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها, مصيرهم ووجودهم بات يعتمد على صمود ألمقاومين في قطاع غزة, فإذا نجحوا في الصمود في وجه أعتى قوة عسكرية في العالم (وهذا ما نتضرع الى الله ان يحصل) فهذا يعني فشلا لهم في الشرق الاوسطايضاً, مما يعني انحسار نفوذهم ومن ثم وجودهم في هذا الجزء الحيوي من العالم, ويعني تقويض نظامهم القائم, مما يسهل مهمة روسيا والصين لتجاوز النظام الفاشل الذي تتزعمه واشنطن وإرساء اسس نظامهم الجديد, وهذا هو السيناريو المرجح وفقاً للمعطيات الدولية والاقليمية الراهنة وتطور الاحداث والوقائع الميدانية.   

 

 

اخر الكلام:

رغم الثمن الباهظ جداً الذي دفعوه وما زالوا, برهن الفلسطينيون انهم باتوا يستطيعون بطريقة او باخرى الحاق هزيمة بهؤلاء المجرمين الصهاينة (ولم يستهدفوا المدنيين كما زعموا زوراً وبهتاناً وثبت فيما بعد كذب اداعاءاتهم) وفي قلب مواقعهم العسكرية فقط كما حصل في السابع من اكتوبر الماضي, على الرغم من قوة جيشهم الهائلة ودعم اكبر قوة عسكرية في العالم لهم, وهذا التطور الكبير خلط جميع الاوراق في المنطقة وسيعيد ترتيبها بطريقة جديدة, كما سيحث البعض على اعادة حساباتهم وفقاً لهذه المستجدات, كما عطل جميع المشاريع التي فرضتها واشنطن على بعض دول المنطقة وعلى الارجح انه سيتم اعادة تقييم هذه المشاريع في ضوء هذا التطور الهائل الذي يراه الكثيرون تغيراً استراتيجياً حقيقياً, بدّل الكثير من المفاهيم التي كانت السائدة وغير بعض مما كان يعتبر من المسلمات في المنطقة وبالقطع سيكون له اثر كبير على المعادلات التي ستحكم منطقة الشرق الاوسط من الان وصاعداً.

هذا التطور يعني بصورة او باخرى إضعاف للنفوذ الصهيوامريكي اقليمياً, مما يعني دق مسمار في نعش النظام الدولي المتآكل التي تقوده واشنطن ومن يدور في فلكها وفي مقدمتهم الكيان الصهيوني الذي يعتبر حاملة طائرات امريكية متقدمة في الشرق الاوسط (كما قال رئيس الوزراء الصهيوني الاسبق مناحيم بيغن ذات يوم), وهدفها العمل على ضمان سيطرة امريكا على المنطقة.

ما يجري في المنطقة حالياً يعزز فرص قيام نظام دولي جديد اكثر انصافاً وعدلاً ومتعدد الاقطاب سيتحرر فيه العرب والمسلمين من سطوة وقهر امريكا والغرب لهم والهيمنة عليهم ونهب ثرواتهم بالابتزاز امنياً, سياسياً, عسكرياًومالياً, بل كل المؤشرات تشير الى انه سيكون للعرب والمسلمين في النظام الدولي الجديد دوراً يليق بوزنهم ومقدراتهم وتاريخهم, وقطعاً لن يحظى الكيان الصهيوني بالدعم والمساندة التي يحظي بها حالياً في ظل نظام واشنطن, بل ربما لن يقوى هذا الكيان الطفيلي على البقاء لعدة أيام عند انقطاع حبلهالسري مع الغرب كما قال مؤخراً الرئيس التركي رجب طيب اردوغان.

العدو الصهيوني شحن كل مشاعر ونفوس وجدان وذاكرة الفلسطينيين والعرب والمسلمين بالحقد والغل تجاهه, واسس لاجيال من الانتقام والثأر ضد الصهاينة, وشيد حاجزاً هائلاً من الكراهية وانهاراً من الدماء بينه وبين شعب الفلسطيني والعرب والمسلمين وسمم بيئة المنطقة بقتل عشرات الآلاف من الاطفال والنساء والشيوخ والمرضى, ورسخ ثقافة الموت والقتل والدمار, ولا يريد هذا العدو الغادر الذي لفظته كل شعوب الارض وخصوصاً الشعوب الاوروبيةان يعلم ان الظروف الدولية التي مكنته من ارتكاب جرائمه ليست دائمة, ولعله يذكر كيف كانت الظروف الدولية قبل حوالي 100 عام من الان, وقد كانت حينها مناسبة ليفعل هتلر ما فعل, وكيف انقلبت الظروف وتغيرت, والان الظروف الحالية مرشحة للتغير, والكل يدرك تصميم اكبر قوتين في العالم روسيا والصين على تغييرها, وكل المؤشرات تشي بان التغيير قادم, ولا يريد هذا العدو ان يعلم ان العربي الحر لن ينسى ثأره, وينتظر وقتاً طويلاً ربما يمتد لسنين أو حتى عقود لتتهيأ الظروف وتتاح الفرصة المناسبة ويحين الوقت الامثل ليأخذ بثأره....وعندها تذكروا ما تقوموا به الان ولا تلوموا حينها الا أنفسكم, لقد قمتم بترسيخ ثقافة القتل والدم والانتقام وهذا حتماً سيخلق هتلر جديد, بل ربما ما قام به هتلر سيكون لعبة اطفال مقارنة بما هو متوقع في ضوء ما ارتكبتم من جرائم ومجازر وفظائع وحمامات الدم, فالجزاء من نفس العمل.

 

د. سمير الددا

[email protected]

 

ثلاثاء, 29/10/2024 - 13:50