الوجه الثاني: الآمال والتطلعات

مرت المأمورية الأولى للرئيس محمد ولد الغزواني وسط ظروف إقليمية ودولية غير مريحة؛ مما جعل الإنجاز دون المتوقع على المستويات الاقتصادية والتنموية بشكل عام، وكان لأجواء كورونا والحرب الأوكرانية الروسية دور كبير في ذلك، ورغم كل ما يمكن أن يساق في هذا المنحى حقق الرئيس شبه إجماع وطني وهدوء سياسي غير مسبوق، كما حقق إنجازات هامة على المستوى الاجتماعي يمكن أن توصف بأنها مما ينفع الناس ويمكث في الأرض، وبقيت إنجازات أخرى في البنى التحتية عالقة لم تر النور؛ بسبب بطء الروتين وإسناد الأمر إلى غير أهله 

والآن ونحن في بداية المأمورية الثانية أو ما يمكن أن نسميه بالوجه الثاني للعملة – إذا جاز التعبير – نريد أن نتفاءل خيرا ونلتمس العذر لأي تقصير حصل في السابق، ونذكّر فخامة الرئيس بأنه إذا كرس هذه المأمورية للشباب كما وعد في الحملة يكون قد أصاب عصفورين بحجر واحد؛ الأول أنه يكون قد أسلم موريتانيا إلى أهلها؛ حيث هي بلد شاب تفوق نسبة الشباب فيه السبعين في المائة، وعلينا أن نتذكر –  هنا –  أن منطق الديمقراطية يحتكم دائما إلى الأغلبية، والثاني أنه يكون قد ضخ دماء جديدة في مفاصل الدولة وأهراماتها الإدارية، وبذلك يزيح تدريجيا طبقة الذين "طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد" تلك الطبقة التي أتت على الأخضر واليابس ولم تترك للمواطنين أدنى فرصة في الانتفاع بخيرات بلادهم الكثيرة بحمد الله

ولا أريد – هنا – أن أدخل في مسألة صراع الأجيال، وجدلية الشباب والشيوخ كلما أريد أن أبوح به في هذا المضمار هو أن بلادنا منذ 1978م وإلى اليوم تتحكم فيها شلة فاسدة ومفسدة أنهكت الاقتصاد، ودمرت المجتمع، وداست على القيم وكرست الانحراف منهجا وسلوكا 

أملنا في فخامة الرئيس محمد ولد الغزواني أن يحدث قطيعة تامة مع تلك الشلة الفاسدة، ويفتح الفرص أمام الشباب تعيينا واكتتابا، فالشباب – وأنتم أهل مكة وأدرى بشعابها – أنظف يدا وأكثر استعدادا للإصلاح، وفيهم الكفاءات التي قد جرب بعضها والبعض الآخر ينتظر 

وأملنا الثاني في فخامة الرئيس أن يولي اهتماما كبيرا وعناية خاصة للقطاعات الخدمية وبالخصوص التعليم؛ لما له من أهميةبالغة تكاد تكون شرطا جوهريا لأي نهوض أو أي إقلاع تنموي يراد للبلد؛ فالتعليم بما هو المختبر الذي يصاغ فيه الكادر البشري المرشح للخدمة في كل مفاصل الدولة لا بد له من عناية تستدعي حشد الإمكانات المادية واللوجستية وتجنيد الكفاءات البشرية من كل حدب وصوب من أجل النهوض به وجعله في المستوى الذي نرضاه لتربية أفلاذ أكبادنا 

ولعل صنو التعليم هو الصحة فلا بد لها من لفتة كريمة من فخامتكم فلا تنسوا أن الأدوية المزورة والمنتهية الصلاحية منتشرة في الأسواق، إضافة إلى أن الخدمات في المستشفيات العمومية دون المستوى ودون المستوى جدا، ومن هنا لا بد من تدخل يتغياتحسين جودة الخدمات من حيث الكيف، وجعلها في المتناول من حيث الكم؛ مما يعني تكثير المستشفيات وتوسيع الموجود منها حتى تستوعب كل المواطنين الراغبين في خدماتها 

ومما نأمله ويأمله كل الشعب الموريتاني أن تكون هذه المأمورية مأمورية بناء؛ فنشهد فيها إنشاء بنى تحتية عملاقة (شبكات طرق، مستشفيات، مدارس، بنايات عامة، شبكات ري...) إلى غير ذلك مما ينفع الناس ويبقى سجلا خالدا في ذاكرة التاريخ شاهدا لكم بالخير، ويا ليت كل الناس لديهم حس تاريخي إذن لكان ذلك مدعاة للتنافس في تعقيب ما يبقى لتستفيد منه الناس أجيالا بعد أجيال!

ومما نأمله – أيضا – ويأمله الجميع معنا أن تحاربوا الفساد في هذه المأمورية حربا لا هوادة فيها، وتقبضوا على المتورطين فيه بيد من حديد حتى يعيدوا جميع مأخذوه للخزينة ويطردوا من التسيير طردا لا أمل للعودة بعده! والكل يعرف أن الفساد ينخر في مؤسسات الدولة من وإلى، وأنه لا ناه ولا منته في هذه الظاهرة النكراء؛ حيث يؤكل المال العام وتسود الرشوة والمحاباة وكل الأخلاقيات الشائنة 

لقد آن الأوان أن تسير الدولة تسييرا معقلنا، وأن يبتعد الجميع عن النهب والسرقة، وأن تكون التعيينات على أسس واضحة لا تعود إلا إلى الكفاءة وحدها بعيدا عن المحاباة والأساليب المعوجّة التي نراها، والتي تكاد تكون وراء كل ترقية وكل تعيين!  

نتطلع إلى أن تكون هذه المأمورية مأمورية إعادة القطار إلى سكته فتحفظ ما تبقى من الدولة وتبني عليه بنيانا راسخا تخلص فيه النية لله ثم للوطن وللشعب، ما أكثرها الخيرات والثروات التي تزخر بها بلادنا! ولكن أين هو ذلك التسيير المعقلن الذي يضع الأمور في نصابها؟ إنني متأكد من أننا لو سيرنا البلاد تسييراحسنا وحاربنا الفساد، واستثمرنا ما لدينا من خيرات وثروات استثمارا جيدا سنتيقظ ذات يوم على موريتانيا وهي دولة متقدمة واثقة من نفسها متصالحة مع ذاتها لا متسول في شوارعها ولا متعفف في بيوتها  

سيدي فخامة الرئيس إن الأوضاع في البلاد طاردة؛ فالشباب بعضه هاجر والبعض الآخر عاقته الوسائل، والعاملون في الوظيفه العمومية جلهم لا تكفيه الرواتب المطففة أصلا، والمواطنون ظروفهم خانقة بين انقطاع المياه وارتفاع الأسعار... 

أقترح عليكم – يا سيادة الرئيس – أن تدعموا المواد الاستهلاكية، وترفعوا رواتب الموظفين وخاصة موظفي قطاع التعليم من مدرسين ومفتشين، فذلك أنفع للوطن والمواطنين وأكثر جدوائية على قطاع التعليم المحوري 

الشيخ ولد باباه اليدالي

 

أحد, 18/08/2024 - 12:05