لكل مواطن موريتاني الحق الدستوري في الاطلاع على الحجم المقارن للميزانيات العمومية وتحليلها واستخلاص ما يناسب توجهاته وقناعاته.
1- فطبقا لقانون المالية الأصلي سنة 2019، فإن ميزانية الدولة الموريتانية وصلت إلى 54,11 مليار أوقية جديدة. وحسب قانون المالية الأصلي سنة 2020، فقد ارتفعت هذه الميزانية إلى 60,33 مليار أوقية جديدة، أي بزيادة 11,5٪ (أحد عشر ونصف بالمئة)،
2- أما ميزانية رئاسة الجمهورية سنة 2019، فبلغت 124462851 أوقية جديدة، لتقفز سنة 2020 إلى 234329494 أوقية جديدة، أي بنسبة 88,27٪ (ثمانية وثمانين فاصل سبعة وعشرين بالمئة)؛ وخلافا لما ردت به السلطات المعنية، فإن سقاية حدائق الرئاسة وفاتورات الماء والكهرباء فيها لا يمكن أن تبرر عُشر هذا الارتفاع الصاروخي،
3- وفيما يتعلق بميزانية الجمعية الوطنية، فقد وصلت سنة 2019 إلى 252700000 أوقية جديدة، لتقفز بدورها سنة 2020 إلى 328754344 أوقية جديدة، أي بزيادة 30,09٪ (ثلاثين فاصل صفر تسعة بالمئة)،
4- أما ميزانية وزارة العدل سنة 2019 فوصلت إلى 442864105 أوقية جديدة، أما في سنة 2020، فقفزت هذه الميزانية بدورها إلى 519880418 أوقية جديدة أي بزيادة 17,39%.
فهل بوسع خبير مالي أو شخصية سياسية أو "لحلاح" أو "حربائي" (الدرك الأسفل من الرأي...)، أن يفند رقما واحدا مما سبق أو فاصلة؟
أما التعليق عليها فحر تماما، وحبذا لو اتسم بالموضوعية المفيدة لإنارة الشعب الموريتاني حول الطريقة التي تُسيّر بها أمواله اليوم.
في هذا الإطار، واستنطاقا لهذه الأرقام، أود إبداء ما يلي:
الملاحظة الأولى: لا تبرر معطيات اقتصادنا الوطني الموضوعية زيادة أكثر من عشرة ("عشرية") في المئة (11,5%) في الموازنة العامة للدولة وحوالي تسعة "عشريات" مئوية (88,26%) في ميزانية رئاسة الجمهورية ونسبة ثلاثة "عشريات" مئوية (30,09%) في ميزانية الجمعية الوطنية، وأكثر من "عشرية" ونصف "العشرية” (17,39%) في ميزانية وزارة العدل ؛ فهذه الزيادات الكبيرة تتعارض رأسا مع النسبة المئوية الحقيقية التي نما بها اقتصادنا الوطني (الناتج الداخلى االخام) خلال السنة الماضية، هذه النسبة التي لا تتجاوز ربع "عشرية" مئوية، أي حوالي 2,5 % (بعد تصحيح وقع التضخم)، كما تشكل فسادا إداريا وماليا بينا إن هي قُيمت من زاوية الظرف الاقتصادي الكلي لحقبة جائحة كورونا الحالية وتداعياتها المأساوية على السكان،
الملاحظة الثانية: قناعتي الشخصية أن رزمة الزيادات ب-"العشريات" المئوية في ميزانيات بعينها ليست اعتباطية، بل تهدف في المقام الأول إلى توفير "التغطية المالية" الكافية ( من خزينة الدولة) لتحييد الرئيس السابق السيد محمد ولد عبد العزيز سياسيا على خلفية أزمة "المرجعية" داخل حزب "الاتحاد من أجل الجمهورية"، ولا أدل على ذلك من الستة "عشريات" من المحامين (60) التي ستدفع وزارة المالية أتعابها، مقابل مرافعات في ملفات انتقائية تمثل أقل من نسبة 0,75% من مشاريع "العشرية" وأقل من 0,01% من مشاريع "الثلاثينية"،
الملاحظة الثالثة والأخيرة: من الخطإ الاعتقاد أن هذه الزيادات المفرطة وغير المبررة من المنظور الاقتصادي، لن تحد بشكل كبير من قدرة السلطات العمومية الحالية على الاستجابة السريعة والفعالة للكوارث الطبيعية والأزمات المختلفة التي يتعرض لها سكان هذا البلد، كالأوضاع المأساوية التي يعيشها حاليا سكان الحوض الشرقي، إثر كارثة الفيضانات...
وكخلاصة، و من أجل التجاوز الجزئي للتعقيدات أعلاه، يجدر وضعُ حد للحملة الإعلامية المسعورة المتبادلة، خاصة في بعدها "الموهم" -الذي يتنافى وحرية التعبير التي يكفلها النظام الديمقراطي- وإيقاف مسلسل الاستهداف والتشويه ومنطق التركيع الذي ينتهجه النظام تجاه الرئيس السابق، وذلك بفتح قناة حوار بين شريكي "العشرية" الرئيسيين لحلحلة خلافهما حول "المرجعية" على "نار هادئة" وبطريقة مسؤولة وودية ونافعة وطنيا.