فازت دولة قطر اليوم بأن كانت المثوى الأخير للشيخ الشهيد إسماعيل هنيه رئيس المكتب السياسي لحماس المغتال أول أمس بطهران .
لقد بكت هذا الفقيد عموم الأمة و صلت عليه كما لم يحدث من قبل ، سنة و شيعة ، عربا و عجما ، حضورا و غيبة في مشهد نادر من تجلي الوحدة الشعورية و الميدانية .
و من المعروف ما يكون من إصابة اللأواء لتلك الطائفة من الأمة الموصوفة بأنها "الظاهرة على الحق والقاهرة للعدو" و الذين هم ببيت المقدس و أكناف بيت المقدس .
فقدرهم أن يحيوا مجاهدين أعزاء و أن يموتوا محتسبين شهداء . كان هذا و لا يزال هو "الطريق السالك" و "الورد المورود" لأجيال
و أجيال من قادة الثورة الفلسطينية الوطنية و من حركات المقاومة الجهادية الإسلامية بل من عموم الشعب الفلسطيني رجالا و نساء و أطفالا .
لقد سبق الشيخ إسماعيل هنية لنفس الطريق و مقام الشهادة و الفوز بشرفها مرشده الروحي و مؤسس حماس الشيخ أحمد ياسين و كذلك الكثيرون ممن كانوا يتقدمون عليه أو يماثلونه في الرتبة من قيادات حماس التي لم تزل أجيال قيادتها مع كل فقد وغياب تفتأ تتجدد في هيكلها و عطائها .
و لا يمكن بل لا ينبغي أبدا إخفاء حجم الألم و ذرف دموع الحزن فعلى مثل القائد أبي العبد تبكي البواكي غير أنه ومهما كان الظرف دقيقا فلا قلق على المقاومة وقيادة مشروعها في مثل هذا الوقت الحرج نظرا لما عرف عنها من رسوخ قدم و صلابة مؤسسات و اتساع قاعدة المؤهلين للخلافة و حمل اللواء بكل الإيمان و القوة و حتى ممن لا يقل خطابة و كاريزما .
وكما أشار هو رحمه الله قبل يوم من وفاته إلى قول الشاعر :
كلما غاب سيد قام سيد .
و لا يخفى أنه على مر تاريخ الأمة فغالبا ما كان ذرف دموع الحزن يختلط بسكب عبرات الضراعة .
يغادرنا اليوم أبو العبد - وقد شهد ما شهد - في لحظة يكاد أن يفور فيها التنور نتيجة شلال دماء المظلومين المسفوكة في كل مكان ، من غزة للضفة و حتى الآن في طهران و في بيروت ووو...
نعم إمعانا في خلط الأوراق و في لحظة انسداد إسرائيلي داخلي و انعدام وزن في واشنطن و ربما بدفع من ترامب أو دافعية ضد هاريس ضمن سياق الانتخابات المرتقبة ، غامر بل قامر نتنياهو أخيرا بجر المنطقة إلى حافة الهاوية و أخذها إلى أعتاب طوفان شامل . فهل عساه سيغرق فيه أم أنه يعتقد بأنه يمكن لأمريكا أن توفر له عند ما يعلوه الموج نوعا من "سفينة نوح"؟
أم هل ، يا ترى ، أن قطار المقاومة الذي نجحت إسرائيل اليوم ، كما لم يحدث من قبل و ربما من حيث لم تدر أو ترد ، في شد عرباته بعضها ببعض و ربطها بقوة و إحكام مع القاطرة الإيرانية المقتدرة و المستفزة ،فهل سيدوس هذا القطار في زخم اندفاعه "نتياهو" و كيانه في غضون الأيام القادمة وهو في طريقه للانتقام و نصرة غزة التي كان الهدف من البلطجة الإسرائيلية الأخيرة أن يتم الاستفراد بها و إفنائها و ذلك باستغلال نافذة ما قبل الانتخابات الأمريكية حتى بداية نوفمبر المقبل؟
و على كل حال فربما تكون الحالة في المنطقة ، قريبا ، من أن تصل إلى خط النهاية ولا سيما لتلك الكارثة النازفة منذ 10 شهور إذ أن حالة الضغط الحالية لا بد لها أن تتنفس اخيرا إما بإنفجار أو بإنفراج .
و رغم ما تحاول كل الأطراف أن تظهره من رباطة الجأش ألا أن الجميع يشعر بقدر عال من التوجس بل الذعر من القادم و تداعياته و من حقيقة انفلات الزمام من يد الجميع .
و يبقى السؤال الجوهري المطروح للكل هو :
كيف استعادة التحكم بالتصعيد و خفض التصعيد و كيف التعامل مع المعضلات المطروحة ؟ وما هي المسارات والمآلات لكل ذلك ؟
هذا ما يمكن أن نعود له لاحقا إن سنحت الفرصة .
السلام عليكم .
محمد ولد شيخنا