حسنا فعل ولد غزوانى حين أيقن، و لو فى جانب،أ ن التجاوب مع الرأي العام من أسباب النجاح و دليل نضج ووطنية،و قد يكون من نتائج ذلك الهامشية،إكمال عهدته الرئاسية بسلام، بإذن الله،غير أن ميول ولد غزوانى الجهوية والمناطقية، لا تخفى على أحد، ربما على خلفية الانتماء و بناءً على عقيدة انتخابية "براكماتية"،أن القلة لا تشكل خطرا يوم الاقتراع، لكن أخانا القادم على التو لحلبة الانتخابات، بصورة شبه مباشرة، قد يغفل عن مصطلح "كبار الناخبين" و الخلفية الاقتصادية و العقلية المدنية الراسخة، لدى أهل الشمال، الذين يعانون من الغبن، بصور مختلفة ،على رأي بعضهم،و اليوم منذو وصول ولد غزوانى للسلطة، لا تمثيل لأسرة الرئيس الأسبق، معاوية فى حكومته، رغم مكانتها السياسية و الاقتصادية،و رغم تمثيلها فى حكومات كثيرة،منذو استقلال موريتانيا، كما أن الرئيس السابق، محمد ولد عبد العزيز، سليل أسرة عريقة وازنة، من الشمال الموريتاني، قيد الاعتقال، على رأس لائحة طويلة متهمة بالتلاعب بالمال العمومي لم يعتقل منها أحد سواه.
و رغم أن ولد عبد العزيز إبان حكمه استهدف أصهاره، اقتصاديا و قانونيا، عبر الاعتقال و التغريم، و حاربهم انتخابيا، فى معقلهم الانتخابي التقليدي، أطار،إلا أن الوشائج الأسرية و المصلحية و الجهوية،تفرض التعايش و التآزر بين تينك المجموعتين،و البارزتين ، شهرة و قوة و نفوذا، فى موريتانيا كلها.
و رغم تهميش بعض الشماليين،لأسباب جهوية و عقليات انتخابية، غير واعية و غير حذرة، إلا أن ما يجرى من مساءلات و محاسبات مرتقبة ،لا يحمل حتى الآن، بصمات صريحة جهوية أو انتقائية، و لا ينبغى أن يكون كذلك،و لولا تغييب ملف رئيس البرلمان و بعض الجنرالات ، الذين أثروا على حساب المهنة العسكرية و الشعب، لكان التحقيق مثاليا، لكن الشيخ ولد باي، يوم تنحيه عن البرلمان،من حق الشعب أن يعرف كيف "متل هو و متلات موريتان؟!"،و كذلك بعض الجنرالات حين يتقاعدون ،بإذن الله، و كذلك ولد غزوانى ربما، حين تنتهى عهدته الحالية، إن لم يكسب الجولة الانتخابية الثانية،من حق الجميع أن يعرف أدواره الخفية المركزية، فى انقلاب 2005، و كيف كان يسير أمنيا و ماليا، إدارة الأمن و الجيش بوجه خاص،لأن فتح ملف المحاسبات ضد نظام ولد عبد العزيز مبرر و ملح، لكن ينبغى أن يكون شاملا و منصفا، قدر المستطاع،و ولد غزوانى كان شريكا مركزيا فى انقلاب 2005، بوجه خاص، و كذلك انقلاب 2008،و ربما المسؤول الأول، عن تسيير مالية الجيش، لمدة أزيد من عشر سنوات،و التحقيق قد لا يعنى التجريم، و قد يتقرر رسميا يوما ما، و قد لا ينعقد، لكنه ضروري و ملح،و ينبغى أن يوسع و يجري بعدالة و صرامة و حكمة،و حتى لا يفاجأ أحدا، ينبغى أن يستعد له الجميع و لكافة ما يترتب عليه،دنيا و آخرة.
و بدون رتوش أو مجاملة، نظام الرئيس، محمد ولد الشيخ الغزوانى،قيد التشكل،يعانى من ميول "شرقاوية"،ربما تحت تأثير الانتماء الجهوي و المناطقي، و لسبب الخلفية و النظرة الانتخابية للمستوى الانتخابي للكتلة الناخبة شمالا،كما أن غزوانى عارف بالجيش الموريتاني،و بالتالى بحجم و عدد ضباط المناطق "الشرقية"،بالحسانية،بالمقارنة مع غيرهم،و إن كان لغيرهم عدد و اعتبار،و ربما نسي صاحبنا تركز جل المعادن شمالا و قيمة و نوعية الرجال المؤسسين للقطاع الخاص الوطني،و أهمية ذلك للوطن و دور تلك المعطيات فى تقرير مصير البلد، انتخابيا و سياسيا و اقتصاديا.
إن التشكيك فى الخلفية الوطنية الجامعة للرئيس الحالي، محاولة صعبة، لكن بعض التمييز فى مناسبة و سياق تعيينات قطاع الصحافة المستقلة، كان جليا بينا، و غير مريح على رأي الضحايا، كما أن ترجيح الانتماء الجهوي و المناطقي و الصوفي، أعطى انطباعا سلبيا مثيرا لمخاوف مشروعة من تحيز الرئيس الصريح للبعض، على حساب آخرين،عانوا أيام العشرية المهلكة الحارقة و مازالوا على نفس المنحى من التهميش و الإقصاء و الغبن،بينما الأولوية لتمثيل المقربين صوفيا فى الرئاسة و فى أحد وزارات السيادة الحساسة!.
نظام ولد غزوانى أضحى منذو بعض الوقت ضحية للارتهان،و لو جزئيا ،للقرابة و الانتماء الصوفي الصرف الصريح و الجهوي و المناطقي،متجاهلا مصالح و منزلة آخرين،باتوا محشورين فى زاوية الغبن و الاحتقار و العداء شبه الصريح!.
ترى هل يستقيم و يستمر عدم التوازن هذا،لوقت أطول؟!.
و لعل أمر محاسبة ولد عبد العزيز و بعض المتهمين معه،يحظى بترحيب واسع،نظرا لمستوى العبث الذى وصل إليه المال العمومي و ضرورة محاولة و استعجال استرجاع بعض هيبة تسيير المال العام و الشأن العام،كما أن قصص و روايات المحاولة الانقلابية،27 نوفنمبر 2019، تبرر تماما توقيف ولد عبد العزيز،للوقوف على حقيقة ذلك الانقلاب الفاشل و غيره من الجنوح و روح المغامرة المثيرة.
و لعل صاحب الفخامة، محمد ولد الشيخ الغزوانى، مازال محل أمل و ثقة، عند بعض ناخبيه،لكنه يفقتر لمخطط استراتيجي دقيق و دراسة دقيقة لمسارات الرأي العام و تفعيل الاستشارة و المخابرات الصادقة و تكريس حرية التعبير و الإعلام، من دون فوضى أو مصادرة .
و كذلك لعل من أبرز أوجه إهمال الشمال،ما عانت منه العاصمة الاقتصادية،نواذيبو، من تردى خدمات الماء و الكهرباء و فوضوية شركات "موكا"،و الذى ما زالت تعانى منه بعمق و استمرار، عاصمة ولاية آدرار،أطار،و أعنى أساسا، سوء و انقطاع خدمات الماء و الكهرباء.