يصعب فهم سر الخوف المتوارث بين حكام موريتانيا من أسلافهم، بدءاً من محمد خونه ولد هيدالة الذي طالب بعودة الرئيس الراحل المختار ولد داداه بعد تماثله للشفاء، فرد عليه الرئيس الفرنسي السابق فاليري ماري جورج جيسكار ديستان (1974-1981 ) بأن فرنسا "ليست محلقاً للسجون الموريتانية"، وانتهاء بعزيز الذي حاول التضييق على المرحوم اعلي المعروف بوطنيته وبعسكريته التي تجعل صاحبها يركز كل اهتماماته على استقرار بلد واجه الموت مرات عديدة سبيلا لاستقراره، ولاشك أنالخوف الذي طبع تعامل الرؤساء الموريتانيين من أسلافهم شكل السمة الأبرز لسياساتهم الأمنية.
ولاتزال شخنصة المسائل التي تتعلق بسيادة الدولة تثير الكثير من التحديات، فالأمن القومي مرتبط بأمن الزعيم قبل البلد والمصالح العليا لم تخرج بعد عن مفاهيمها التي تدور فيها منذ أربعة عقود، لذلك ليس غريبا أن يشكل الرئيس السابق تحدياً أمنياً حقيقياً، بحكم تركيز كل الاهتمام على تحركاته المثيرة للريبة في غالبيتها.
ويجمع المراقبون للشأن الموريتاني على أن حجم التحديات التي خلفتها العشرية المنصرمة يفوق بأضعاف المرات تلك التي تركها نظام ولد الطايع الذي حكم البلاد لعقدين من الزمن، فطبيعة الملفات وتشابكها خلال حكم عزيز وحرصه على مركزية القرار كلها أمور ستصعب من مهام الأجهزة الأمنية في التعامل مع ترسبات العشرية، خصوصاً وأن الرئيس السابق أدار الدولة بمنطق أقرب إلى أساليب المافيا، فقد كون أجهزة أمنية خاصة إضافة إلى أذرع اقتصادية وسياسية تشتغل خارج هيكلة الدولة.
ففي مجال الاقتصاد ،وبحسب مقربين منه، استحوذ الرجل على وزارات وشركات كبرى مثل اسنيم وسنيمكس وغيرهما، ويظهر استجواب الوزير الأول مولاي ولد محمد الأغظف أن ولد عبد العزيز حرصعلى إدارة وزارات بعينها( المالية والنفط والطاقة) وبطريقته الخاصة، ما يعني تركز ثروات هائلة في يد الرجل خلال فترة وجيزة، وفي المجال الأمني همش الرئيس السابق جهاز الشرطة وأسند مهامه إلى مؤسسات غير مختصة تمهيداً لنشر زوبعة من الفوضى ستظهر لاحقاً من خلال تشجيعه لحركات عنصرية على مهاجمة الشرطة ونشر خطاب الكراهية.
كان ولد عبد العزيز على مايبدو يركز على ثلاثية المال، والفوضى، وخطاب الكراهية لاستمرار مشروعه القائم على التحكم في موريتانيا، اتضح ذلك من خلال مطالبة بعض البرلمانيين المحسوبين عليه بخرق الدستور وتحويل البلد إلى مملكة عزيزية، تنتج الأضياف السياسية على مقاساتها.
لقد ساهمت حنكة الرئيس الحالي ومعاونيه العسكريين على وجه التحديد في إنقاذ موريتانيا من بؤرة حرب أهلية توفرت كل العوامل لاندلاعها، بقي على الأجهزة الأمنية أن تواجه بحزم محاولات الرجل للعودة إلى المشهد من خلال السياسة بالآليات ذاتها التي كان يستخدم في إدارته للبد، فليس اعتباطاً أن يستغل الرجل فزاعة الإخوان ويندفع في جولة هيستيرية لزيارة مقارّ الأحزاب السياسية، في محاولة لإقناع الموريتانيين بأنه مستعد لدفع ثرواته الهائلة لكل المنخرطين في مشروعه القائم على مواجهة الدولة في جميع الأصعدة.
إنها باختصار ترسبات معقدة أثارت ومازالت تثير الكثير من الجدل لعشرية تتداخل فيها جوانب عديدة سياسية واقتصادية واجتماعية لتشكل تحدياً أمنيا مازال عزيز يتحكم في معظم خيوطه، وقد نشهد استهادفاً لسفارات غربية وربما لمصالح دول عظمى في وسيلة لإقناعهم بأن النظام الحالي مجرد واجهة للحركات الإرهابية بمختلف أنواعها...
د. أمم ولد عبد الله