انتخابات اتشاد: أحلام الانتقال.. وكوابيس الاقتتال

بعد أشهر من الاضطرابات العنيفة التي شهدت اغتيال أحد أبرز المعارضين السياسيين، وفي أجواء التدافع متعدد الديناميكيات في منطقة الساحل الإفريقي، تدافع التشادييون أمام صناديق الاقتراع في انتخابات كانت حتى انطلاقة حملتها تعد محسومة النتائج لصالح الجنرال الذي تحكم عائلته البلاد منذ عقود، لكن رياح التغيير اللواقح بالنموذج السنغالي غيرت مجرى الأمور وجعلت الجميع ينتظر نطق صناديق الاقتراع.

لم يتأخر النطق كثيرا إذ جاء في ساعات مساء الخميس على لسان رئيس لجنة الانتخابات معلنا فوز ديبي ومن الشوط الأول بنتيجة فاقت الستين في المائة.

انتخابات اتشاد؛ سياقاتها، وخريطة المشاركين فيها، واستشراف تداعياتها، هو ما تحاول هذه الورقة من أوراق مركز إفريقيا للدراسات والاستشارات وتحليل السياسات التوقف معه ضمن مواكبة مركز "دراسات" لتحولات القارة، وعمله المنهجي لفهم واستشراف سياساتها.

 

منافسون على المقاس
بعد اغتيال زعيم المعارضة يحيى ديلو جيرو المتهم باقتحام مقرات أمنية واستبعاد المجلس الدستوري لعدد من المترشحين لعدم استيفاء الشروط، أعلن عدد من المرشحين المعارضين مقاطعة الانتخابات معتبرين أنها فصلت على المقاس، وأنها معروفة النتائج مسبقا، وهكذا انحصر التنافس في اقتراع الاثنين السادس من مايو على عشرة مرشحين من أبرزهم.

- الجنرال محمد إدريس ديبي المرشح لخلافة نفسه، واستمرار حكم عائلته الممتد منذ دجمبر 1990 تاريخ إطاحة إدريس ديبي بحسين حبري الذي قضى قبل أشهر في السنغال بعد منفى طويل، ومحاكمة انتهت بإدانته بجرائم ضد الإنسانية.

- سيكسي ماسرا الوزير الأول الحالي والمعارض السابق ورئيس حزب "الترانسفورمتير" الذي تبنى خطاب تغيير قوي، وشهدت حملاته إقبالا واسعا جعل العديد من المراقبين يستحضرون للتعليق على مشاهد حشده مؤشرات فوز المعارضة في السنغال، ويرشحون اتشاد لتكون أول بلد تنتقل له العدوى السنغالية.

في ملتقى النيران الاستراتيجية
تبدو اتشاد البلد الإفريقي الذي يعاني مشكلات تنموية وسياسية ومجتمعية مركبة في موقع استراتيجي بالغ الأهمية، جعلها أشبه ما تكون بملتقى النيران الاستراتيجية، فالنيران مشتعلة على حدودها من كل اتجاه، والاشتباك الغربي الروسي محيط بها؛ وهي إلى ذلك محل تجاذب واضح بين هويتين ووجهتين.

- على حدودها السودان الممزق في حرب طاحنة منذ سنة؛ وعلاقتها التاريخية والآنية بأزماته معروف؛ حاليا متهمة بشكل علني من الجيش السوداني بدعم قوات الدعم السريع وبأنها مركز إمداده القادم من الامارات.

- وليبيا التي توجد بينها وبين انجامينا ثارات عميقة في وضع انقسام واقتتال شغلها بنفسها، ولكنه قد لا يشغل اتشاد عنها، إذ فيها من الحلفاء والخصوم ما يجعل "التورط" فيها يكاد يكون حتميا.

- والنيجر البلد الساحلي المجاور في ذروة أزمته الناجمة عن الاطاحة ببازوم منذ عشرة أشهر، وقد كان لتلك الأزمة تأثير واضح على خيارات ديبي ووجهاته؛ إذ ظهر مترددا بين الولاء التقليدي لباريس، والتحيز التكتيكي لواشنطن، والتحول الجذري إلى موسكو.

⁠إن تحليل مواقف وخطابات المشاركين في السباق الذي أعلنت نتائجه المؤقتة قبل ساعات تظهر أن:
- ديبي قرر التحول إلى موسكو، وهو ما تم التعبير عنه بوضوح في خطوات عملية خلال الأسابيع الماضية، أبرزها زيارة موسكو وما تبعها من تصريحات ممجدة لها، وقرار بوقف التعاون العسكري مع واشنطن في مسار يقارب حد استنساخ ما حصل في النيجر المجاور.

- ⁠أما وزيره الأول وزعيم حزب الترانسفمومتير"، ماسرا فقد علق على زيارة موسكو وتوقيع اتفاقيات تعاون معها أنه ليس عبدا لينتقل من "سيد إلى سيد"، وهو تصريح يبدو أعمق في التمرد على التبعية بعنوانيها القديم والجديد، ولكن ليس من الواضح بعد حدود وحقيقة ووجهات ذلك التمرد.

بين الانتقال والاقتتال
وفي انتظار تأكيد المجلس الدستوري النتائج التي أعلنت لجنة الانتخابات، وفي ظل إعلان كل من الرئيس ووزيره الأول الفوز بانتخابات اتشاد، تشرق شمس انجامينا من جديد بعد ليل تتصارع فيه الأحلام والكوابيس؛ أحلام أن تكون الانتخابات معبرا بالبلد لانتقال في "الوجهة السنغالية" كما ضجت وسائط التواصل خلال الأيام الماضية، وكوابيس أن تجذر مسار اقتتال، تبدو خنادق المتحاربين فيه وداعميهم على كامل الجهوزية 

لقد عززت النتائج أزمة البلد وجعلت سؤال مستقبل استقراره وأفق الصراع عليه أكثر إلحاحا.

 

مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية 

أحد, 12/05/2024 - 22:13