في سياق الظرفية الحالية كثيرة هي الهموم والاهتمامات بما يقوي قواتنا المسلحة و يصون سيادة الوطن .
ومما لفت انتباهي مؤخرا ، تدوينة تحت عنوان ( تنبيهات) لأحد المثقفين الغيورين هو العميد الشيخ سيدي محمد معي طرح من خلالها مسألة مهمة هي التطلع للعمل بالتجنيد الإجباري أي إنشاء احتياطي .
لن نعلق هنا على المبررات او الدواعي المختلفة -نفيا أو إثباتا - لأهمية هذا التوجه في مثل هذا التوقيت أو حتى تناول ضروراته وعوائقه وإنما سنقصر الكلام فنيا على المنظور التشريعي للمسألة ضمن النظام القانوني العسكري المعمول به في البلد .
فمن حيث التشريع، لا يوجد أي فراغ قانوني حول الموضوع بل إن هناك نصوصا قانونية أساسية قديمة الصدور تتناول موضوع التجنيد وقوات الاحتياط وهي نصوص تحتاج فقط للتطبيق بقرار سياسي وليس بالضرورة إلى سن قوانين أساسية جديدة اللهم ما كان من تعديلات تكييفية معينة أو مراسيم تطبيقية عند الحاجة لها .
تحديدا توجد ثلاثة قوانين تتحدث عن الموضوع وهي على التوالي الزمني :
أولا - قانون الاكتتاب في الجيش لسنة 1962
ثانيا - القانون الأساسي لسلك الضباط لسنة 1964
ثالثا - - قانون تحضير الشباب للخدمة العسكرية لسنة 1973.
يتناول قانون الاكتتاب Loi sur le recrutement مدة الخدمة العسكرية (الإلزامية) ويحدها بمدة 28 سنة موزعة على أربعة فترات:
- -الخدمة النشطة Service actif ومدتها سنتان ؛
- .خدمة التربص(الإتاحة) Disponibilité ومدتها ثلاث سنوات.
- - خدمة الاحتياط الأولى 1ere Réserve ومدتها 16 سنة .
- وخدمة الاحتياط الثانية 2eme Réserve و مدتها 7 سنوات .
وهذا يعني أن كل مواطن خاضع لمقتضيات الخدمة الإلزامية العسكرية حسب فئته وذلك من بلوغه سنة ال 18 وحتى 46 سنة .
والخدمة النشطة هي خدمة تحت العلم و يكون صاحبها مستدعا ضمن دفعة المجندين
le contingent des appelés .
يكون أصحاب هذه الدفعة من أعمار مختلفة ابتداء من 18 سنة إلى من هم أكبر من ذلك سنا بسنوات عديدة إذ ربما قد يكون من ضمنهم من يستفيد سابقا من إعفاءات مؤقتة من التجنيد لأسباب دراسية أو صحية أو غير ذلك.
وخلال فترة التربص (الإتاحة) يبقى الفرد مرتبطا في أي استدعاء للاحتياط بدفعته من المجندين مهما كانت سنه .
أما بعد فترة التربص فيتم تصنيف كل فرد ضمن مجموعته العمرية classe d'âge وليس ضمن دفعته في التجنيد Le Contingent كما في فترة التربص.
حدد قانون الاكتتاب أيضا لسنة 1962 نمطا آخر للاكتتاب و هو الخدمة بالتعاقد servir sous contrat أي الخدمة العسكرية الطوعية وليست الإلزامية و هو ما تم العمل به حتى الآن في القوات المسلحة للجنود وفئات ضباط الصف باستثناء المهنيين SOC.
لكن الذي يخدم بهذا النمط يظل معنيا مع ذلك بواجبات الخدمة العسكرية الإلزامية حيث يتم تصنيفه عند التسريح في خانة الفترة المناسبة له ولعمره وفق ما قد يكون قام به من مدة خدمة عسكرية طوعية والتي تحتسب من الخدمة الإلزامية .
أما بخصوص قانون 1964المنظم لسلك الضباط فهو بالإضافة إلى فئة الضباط العاملين أي المحترفين (المهنيين ) أي الذين يخدمون باستمرار حتى حد العمر لرتبهم فهو المعمول به حاليا في سلك الضباط فقد ورد في القانون تبويب أيضا على سلك لضباط الاحتياط و حدد لهم رتبا تتصاعد حتى رتبة مقدم
Lt Colonel كما حدد لهم نظام للتقدم .
و هؤلاء يخضعون في خدمتهم لنظام الخدمة العسكرية الاحتياطية ذات الفترات الممتدة حتى 28 سنة.
كما نص قانون نظام الضباط أيضا على فئة أخرى انتقالية وهي مزيج بين الاثنين وهو نظام ضباط الاحتياط في ضعية العمل Officiers de réserve en situation d'activitè (ORSA) .
و هؤلاء ضباط احتياط يعملون بعقود و يمكن أن تمتد خدمتهم في هذه الوضعية لمدة أقصاها ثمان سنوات وأن يتقدموا حتى رتبة نقيب لكن عليهم بأن يعملوا دورة تطبيق حتى ينتقلوا إلى سلك الضباط العاملين حيث يبدأون حينئذ من رتبة ملازم حتى ولو كانوا سابقا في رتبة ملازم أول في (ORSA) علما بأن أي ضابط من هذه الفئة مهما كانت رتبته أو أقدميته يكون دائما تحت إمرة ويتبع في سلم القيادة لملازم عامل معه في وحدة حتى و لو كان خريجا .
في نهاية المدة المحددة يكون أمام ضابط الاحتياط في وضعية العمل ORSA أمام ثلاث خيارات :
-إما أن يصير ضابطا عاملا برتبة ملازم إذا نجح في متابعة دورة للتطبيق،
-التسريح برتبته المتحصل عليها كضابط احتياطي،
- مواصلة الخدمة كضابط صف برتبة رقيب أول.
لقد كان هذا النظام هو السائد لدى معظم الضباط في الجيش خلال الستينات و السبعينات وحتى بداية الثمانينيات ولم يكن يستثنى منه إلا خريجو المدارس الكبرى والأكاديميات العسكرية، كسان سير Saint Cyr الفرنسية ومكناس المغربية وشرسال الجزائرية ابتداء من السبعينات و خريجو سوريا والعراق و المدرسة العسكرية لمختلف الأسلحة بأطار اعتبارا من سنة 1980. وقد انقرضت هذه الفئة بعد ذلك تماما.
مع التنويه أن سلك الدرك لا يكون فيه إلا ضباطا عاملين و هو ما جعل في حالة مشهورة بعض من الضباط الاحتياطيين من الجيش يطلبون التحول إلى الدرك فصاروا بذلك ضباطا عاملين تلقائيا.
أما القانون الثالث فهو المتعلق بتحضير (تهيئة) الشباب للخدمة العسكرية وقد تم سنه بخلفية سياسية ظرفية عندما كان النظام حينها يواجه المد الثوري لحركة الكادحين ولا سيما في المؤسسات التعليمية الثانوية فقد أراد من خلاله ترويض بعض الأكثر إزعاجا له من أولئك التلاميذ عن طريق إرسالهم للتدريب العسكري خلال فترات العطلة الصيفية .
وقد تم تطبيقه على الأقل لسنة واحدة قبل أن يتم تجميده لتغير تلك الظروف السياسية وأيضا لاندلاع حرب الصحراء لاحقا .
لقد كان التكوين العسكري لأولئك الشباب يتم كما أسلفنا خلال فترات العطلة الصيفية .
ففي السنة الأولى يتم تكوينهم للحصول على رتبة عريف احتياطي وفي الثانية يؤهلهم التكوين لرتبة رقيب احتياطي.
السلام عليكم
محمد ولد شيخنا