أود في هذا الحديث أن أطيّر ثلاث برقيات على وجه الاستعجال وعبر البريد المضمون؛ الأولى إلى كل من تهمه قضيتنا المركزية وهي القضية الفلسطينية، والثانية موجهة إلى الطبقة السياسية على المستوى الوطني، والثالثة تأخذ طريقها إلى الشعب الموريتاني بشكل عام
الرسالة الأولى: على الكل أن يعلم أن كل ليل مهما طال واسودّفسينتهي حتما إلى الفجر، وكل نفق مهما أظلم وكان مفروشا بالنار والجمر لا بد له من نهاية، ولا شك أن التضحيات الجسيمة التي قدمها الفلسطينيون والدماء الزكية الفوارة من أجسامهم وأشلائهم الطاهرة لها ثمن غال هو التحرر الكامل والشامل لكل الأراضي الفلسطينية الحبيبة وعاصمتها القدس، وهو ما سيحدث بإذن الله ذات يوم ما أظنه بالبعيد، وسيخسأ العملاء والخونة في كل مكان ويبقى الشرف والكرامة والعز... لأبطال الشعب الفلسطيني وعلى رأسهم أسود حماس المغاوير الذين علمونا وعلموا الأمتين العربية والإسلامية دروسا عظيمة في الصبروالشهامة والشجاعة والتضحية والاستبسال والذود عن حمى الأوطان بالغالي والنفيس من مال وولد ونفس؛ إننا نقول لهم –ونحن بهذا المنكب البرزخي – اصبروا واثبتوا يا أيها الحماة الأباة فنصر الله قريب والأوطان تستحق؛ ولقد صدق الشاعر أحمد شوقي حينما قال:
وللأوطان في دم كل حر...... يد سلفت ودين مستحق
وللحرية الحمراء باب....... بكل يد مضرجة يدق
إن الغايات الكبيرة لا تنال على طبق من ذهب ولا بد لها من التضحيات الجسيمة؛ فحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم قبل أن ينعم بنجاح دعوته وإيوائه في المدينة المنورة مكث في مكة ثلاث عشرة سنة صابرا على أذى قريش والقبائل من حولها الذين كانوا يتهكمون به ويسخرون منه ويعتدون على جسده الشريف أحيانا، ولا أحد ينكر كرمه على الله ولا قدرة الله على حمايته وتسخير الكون جميعا له ولكنها ضريبة الغايات الكبرى والأهداف العظيمة لا بد أن تدفع؛ "سنة الله ولن تجد لسنة تبديلا ولن تجد لسنة تحويلا"
ولا بد لي في هذا المقام أن أتذكر الفاروق عمر بن الخطاب ذلك الخليفة العظيم الذي جاء لابسا مرقعته وراكبا حماره؛ ليتسلم من بطريرك القدس مفاتيح الأقصى المبارك، كما لا يفوتني أن أتذكر الفاتح العظيم الشهم صلاح الأيوبي الذي استعاد الأقصى هو الآخر من الصليبيين الأنجاس بعد تسعين عاما من الاحتلال؛ إنني أستلهم هاتين الروحين العظيمتين هنا وأستمد منهما البركة والخير...
إنني أؤكد أن الأقصى المبارك تراث للمسلمين، ولكنني أدرك أن قضيته صعبة ومزمنة؛ فاليهود يدعون وجود الهيكل السليماني تحته؛ ولذلك تحريره – فك الله أسره – يحتاج إلى بعض الوقت وآمل أن يتم تخليصه بالحوار والتفاوض والوسائل السلمية، وأدعوالله أن يكون لموريتانيا الدور الفاعل في الموضوع
الرسالة الثانية: على الطبقة السياسية معارضة وموالاة في بلدي موريتانيا أن يستشعروا المسؤولية التاريخية أمام الله وأمام الوطن والشعب وأن يعرفوا أن موريتانيا في هذا الاستحقاق على مفترق طرق؛ إما أن تبقى حليمة على عادتها القديمة، وفي هذه الحالة بالنسبة لي شخصيا لا أعرف ما الذي ستؤول إليه الأحداث مع أننا نود السلامة لبلدنا ولشعبنا مهما يكن من يتولى الحكم، ولكن علينا أن نتذكر قول المتنبي: "تجري الرياح بما لا تشتهي السفن"! وإما أن نختار التغيير بكل ما يعنيه معنى التغيير؛ مع أنني أومن بمبدإ "عفا الله عما سلف" اللهم إلا إذا ضاقت الذمة عما لا يمكن تحمل مسؤوليته، والخيار هنا واحد فمتى ما اهتدت إليه موريتانيا وزكته واختارته فقد وفقت، وإلا فالأمر على نحو ما قلت قبل قليل هي حليمة على عادتها القديمة والاحتمالات مفتوحة، ولا نريد إلا الخير طبعا، ولكن "ما تشاءون إلا أن يشاء الله"!
وقبل أن أبارح هذه الفقرة أود أن أخص الطيف المعارض بالقول إن التغيير الذي طالما حلمتم به وناضلتم من أجله هو الآن متاح وعلى الأبواب، ولكنه منوط بشخص واحد لا سبيل إلى العدول عنه؛ لأنه في دائرة "ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد"!
الرسالة الثالثة: على الشعب الموريتاني أن لا يظل كالقطيعيشتريه السياسيون في المواسم الانتخابية، فإذا انتهت تفرغوا لأكل لحمه وشرب دمه، على الشعب الموريتاني أن يتعقل هذه المرة ويتفحص في الخطابات والبرامج وفي الأشخاص وماضيهم ومدى نظافة أيديهم من المال العام على الشعب الموريتاني أن يدرك أن ثرواته ومقدراته نهبت وسرقت وتقاسمها الرجال والنساء وأودعوها في بنوك الغرب أرصدة مذهلة!
على الشعب الموريتاني أن يتفطن في مظاهر الظلم والطحن الاجتماعي المستشري بين فئات عريضة جدا منه على الشعب الموريتاني أن يتساءل عن خدمات الصحة والتعليم والماء والكهرباء والطرق و... و...؛ باختصار عليه أن يتساءل عن التدخل الإيجابي للدولة في حياته؛ ببساطة إنه لن يجد إلا الفراغ الكل منع من وصوله بيروقراطية النظام وزبونية النظام وفساد النظام وغياب عدالة النظام...
الشيخ ولد باباه اليدالي
للتواصل: com.h22163843@gmail