هل بدأ عصر التدوين اليوتيوبي في موريتانيا؟

اليوم وبعد تأخر طال سنين عن الركب العربي المغرد في اليويتوب، يبدو أن الموريتانيين في بدايات الإندماج في اليوتيوب كمؤثرين بدل متأثرين أو لا مبالين، وأنا أجزم بأن اليوتيوب أفضل من الفيسبوك ألف مرة، فهو إلى جانب الربح الذي يعيش منه بعض الإخوة المدونون من الدول العربية المجاورة (يعطي 2 دولار تقريبا عن كل أكثر من 1000 مشاهدة)، مجال جيد لعرض الآراء وبناء المتابعين، بل هو البديل الأقوى للإعلام الرسمي المحلي، والآخر المدسوس من طرف الجهات الخارجية (الدخيل)، فهو إعلام حر حتى هذه اللحظة لأن المدونين فيه أحرار ، وقوانينه تجاه الوباء وما شابهه من المعضلات التي اتفق اليهود والنصارى على تجريم الإقتراب منها لأسباب لا يعلمها غير الله، أخف من قوانين الفيسبوك الصارمة، وهذا مثال فقط للتساهل الموجود فيه مقارنة بغيره.

فهل تأخر الموريتانيون في فتح القنوات ونشر أفكارهم، والربح بعد ذلك عندما يفتح اليوتيوب المجال للبلد في المشاركة في برنامجه الربحي، أو عن طريق الشراكات مع بعض الشركات التي تتيح تقاسم الأرباح. 

لكن المهم في الوقت الحالي هو افستفادة من الآخرين، والتعبير عن الرأي، ومن أجل ذلك يستعين البعض، وهم قلائل في الوقت الذي أصبح كل من هب ودب في المغرب مثلا يملك قناة! يستعين بهاتفه من أجل تصوير نفسه وهو يعرض فكرته على جمهوره الخاص الذي يكبر شيئا فشيئا لتصبح الرابطة بين الإثنين كالرابطة التي تجمع بين قناة الجزيرة والشعوب العربية المخدوعة فيها.

ويحرص آخرون على جودة الوسائل المستخدمة في البث، فيشترون كاميرا متخصصة من النوع الغالي، ويهتمون بجودة المايكروفون ونوعه، وبالأستوديو والإضاءة وغيرها.

أما المحتوى، والديني منه هو الأهم، لأن الدعوة هي أساس حياتنا وحياة الأنبياء، فربحيته قليلة في اليوتيوب لأن صاحب الحق عدو لكل أهل الباطل وغن كان يتمنى لهم السداد والخير، وهم أكثرية حتى ضمن متابعين اليوتيوب، فلن تجد مثلا قناة سلفية تتمتع بمتابعين كثر، لهذا تجد الدعاة الموجودين على اليوتيوب دبلوماسيين لا يريدون خسارة المتابعين بقول كلمة حق في بدعة أو ضلالة، وهم متأكدون من أنها بدعة وضلالة! فهمهم الأكبر جمع الناس ولو على السكوت عن الباطل ككل المغرضين الذين نرى! ولو كان ذلك هدفا للرسول صلى الله عليه وسلم لأجتمع عليه كل من في مكة! فبالنسبة للدين الربح الحقيقي عند الله، وهذا ما لا يفهمه المتعجلون.

أما بالنسبة للمحتوى الآخر، فيحرص البعض على جودته، وتقديم ما ينفع ويفيد كالشروحات النافعة في بعض المجالات كالمجال التقني وغيره، فمثلا سقط زنجير دراجة أملكها، فتركتها مدة حتى أحملها إلى متخصص يصلحها، ثم بحثت في اليوتيوب فوجدت الحل وطبقته. 

كذلك تجد الحلول لأغلب المشاكل بل حتى الصحية منها، مع الحذر من الكم الهائل من المعلومات الموجود فأغلبه غير دقيق ولا متخصص، أي يتطلب التمحيص ككل أمور الحياة، وتجد الأفكار للتجارة والربح الإلكتروني والواقعي، فهو بالفعل عالم نافع، وليس ما يُقال كما يُكتب (مقارنة بين الفيسبوك والمواقع وبين اليوتيوب)!

أما السخافات، فكثيرة أيضا على اليوتيوب، حتى راجت في الآونة الأخيرة فكرة عرض بعض النساء لأنفسهن من أجل الربح، وتحت ذريعة اليوميات، فتعرض الواحدة منهن نفسها وهي تمارس الرياضة أو غير ذلك، وقد يكون زوجها واقفا بجوارها، وبحجة "حرية التدوين والتحرر"!

لكن الذي يزعجني حقا هو وجود مدونين كثر يتحدثون في أمور سخيفة يضفون عليها من الأهمية ما ليس فيها، كانتقاد المسؤولين (وهم لا يعرفونهم ولا يعرفون إداراتهم بل أكثرهم من العاطلين عن العمل أو المهاجرين الفارين ببطونهم الذين لا خبرة لهم في أي شيء!)، والحديث عن مشاكل الفنانين السخيفة كمشكلة المغنية دنيا باطما في المغرب التي لا زال سخفاء المدونون المغاربة ينعقون بها حتى اليوم، وهي لا تقدم ولا تؤخر، بل بالعكس تضفي على الغناء والتمثيل قداسة كان يجب نزعها عنهما! 

أو التركيز على تفاهات كرة القدم ومشاكل الإتحاديات والمدربين والتحليل السخيف، وكلها سخافات لا تقدم ولا تؤخر، وبعضهم يتهم بعضا، ويهدد بالمقاضاة وكشف المستور، كما هو واقع بين المدونين الموريتانيين المغتربين، هداهما الله! 

والجمهور يتابع تلك الحرب اليوتيوبية من أجل الفضول فقط، وهم يستغلون فضوله في تحقيق المشاهدات والأرباح!

فهذا النوع من الإلهاء بالباطل هو أكثر ما يغيطني في اليوتيوب، خاصة الذين يعتبرون أنفسهم ملوكا للكلمة والرأي، وهم لا شيء، بل يعرفون أن اتهام الآخر بالسرقة مثلا، جناية وليس تعبيرا عن الرأي، لكنهم يتسلقون ويبنون ما بني على باطل، بل منهم من هو مستعد لدفع سنين من عمره في السجون ثمنا للشهرة أو الوصول إلى مبتغاه، وهذا يقلقني بالخصوص على الموريتانيين إذا دخلوا عالم اليويتوب لأنني أعرفهم. 

وأغلب هؤلاء من ذوي الأطماع ومحبي الشهرة، فهم ليسوا أصحاب طرح نافع، بل طرحهم سخيف وممل ومبني على التناقر والتهريج، وأكثرهم يلبس وجها حديديا لو استغله في الربح من السوق والمثابرة، لربح الملايين!

فهم مثل السياسيين الديمقراطيين الذين إذا رأيت الواحد منهم يتحدث عن هموم الوطن - أو همه كما يزعم، الكذاب، خلته نبيا مرسلا من طرف الديمقراطية إلى بني جهل! 

والحقيقة أن جميع المواطنين من صغيرهم إلى كبيرهم يعرفون أنه مجرد صاحب مصلحة، طفيلي متسلق مستعد لفعل أي شيء في سبيل نيل منافعه، ولو كان ذلك عض اليد التي امتدت إليه بالخير، وتأمل فقط في انقلابهم على الرئيس المنتهية فترته، وقارن بين كلامهم قبل وكلامهم بعد، وأسوأ منهم رجال المعارضة ونسائها الطموحات.

فاليوتيوب فرصة ذهبية للتعبير عن الرأي ونفع الناس، وللحصول على بعض الأرباح المهمة إذا كثر أصحاب القنوات عندنا، أو ضغطت الدولة وفقها الله على اليوتيوب لكي يرفع القيود عن بلدنا، وصدقوني كثير من الإخوة في العالم العربي من العاطلين عن العمل يربحون من اليوتيوب وحده رواتب شهرية مهمة، بل انفتحت أمامهم آفاق الدولارات فدخلوا في طرق أخرى تدر عليهم أكثر وأكثر، فعالم الإنترنت مربح لكنه متعب ويتطلب خبرات وتجارب وتضحيات، وكل ذلك يمكن تعلمه والخوض في الممكن منه، وأهم شيء في كل ذلك هو التوفيق، فمن كان رزقه فيه تكفيه خطوات قليلة. 

وأبسط مجالات الربح من الإنترنت، ومن أهمها بالنسبة للمبتدئين، وهي الحقيقة المخفية، الربح من التدوين سواء المقروء أم المرئي في اليوتيوب، وصدقوني حتى الأميين يعرفون فائدة اليويتوب ويربحون منه.

 

وهذه بعض الأفكار التي رأيت البعض ينجح فيها، حتى أن مقاطع بعضهم تحقق آلاف المشاهدات في ال 24 ساعة الأولى وحدها:

1- مجال القصص، فالبعض يعرض مقطعا لسيارة تشق طريقها في شوارع مضيئة على مدى أكثر من 15 دقيقة، وهو يسرد قصة من قصص الحياة أو غيرها، دون أن يظهر وجهه، أي يقوم بتصوير الشاشة فقط مع وجود مايكروفون جيد.

2- التحليل السياسي، فالبعض يعرض نفسه كمحمد قنديل المحارب للإخوان، والبعض يكتفي بالتعليق على خبر من خلال تصوير الشاشة، فيعرض وجهة نظره في المسألة ويدافع عن الفريق الذي هو منه، أي عن أوليائه وهذا طبيعي، والغالب على هؤلاء هو انهم من الإخوان، لكن لا بأس لكل الحق في عرض وجهة نظره، وبهذا يحقق متابعة وأرباح جيدة.

3- الرحلات أو ال Vlog كما يسمونه، فهذا المجال ممتع جدا، لأنه يحمل المشاهد إلى عوالم أخرى تجعله رفيقا للمسافر، ولا يتطلب سوى القدرة على السفر، والبعض يستعين بارباحه من اليوتيوب والإنترنت في ذلك، ويصور نفسه وهو يتجول في الأماكن مع التعليق، ويمكن بدلا من السفر فعل ذلك في الداخل، وليس شرطا تصوير النفس بل تصوير المحيط يكفي، لكن ذلك يتطلب كاميرا جيدة ك canon 200d الثابتة التركيز ذات الألوان الجميلة.

4- الحديث عن الماسونية، فبعد ظهور الوباء الجديد أصبح الكثيرون يتحدثون عنها، وقد وصل أحدهم إلى 100 ألف مشترك في ظرف شهر واحد بعد ان كان مهملا من طرف المتابعين.

5- تعليم المهارات، كمهارة اللغات الأجنبية بالنسبة للمدرسين، أو الحاسوب أو الهاتف أو أي مهارة أخرى، فكل معرفة ومهارة يمكن استغلالها جيدا في التدوين، والبعض مثلا يعرض في كل يوم تطبيق قنوات مشفرة مفتوح، ومشاهداته اليومية لا تقل عن 5 آلاف رغم أن التطبيقات التي يبحث عنها ويعرضها مسروقة في معظمها، أي لا تدوم لأكثر من يومين! بل يرفض عرض المصدر الحقيقي للتطبيق، فقد سألت أحدهم مرارا عن بائع التطبيق فلم يدلني عليه لطمعه في أن أظل أتابعه.

6- الحديث عن سخافات الفن والفنانين، وتتبع أخبارهم.

7- مشاركة الألعاب، وهذا يتطلب حواسيب بمواصفات خاصة وبعض الأمور، لكنه مربح جدا لهواة الألعاب.

8- وجود بعض الأمور الحصرية التي يهتم بها الناس، ففي هذه الحالة يعتبر هذا كنز، لكن ينبغي الحذر من الحرامن ومثال ذلك عرض المغني لأغانيه في قناته أو الممثلة أو ما يسمونه بالنجوم، فهؤلاء لديهم متابعات كثيرة، لكن كل ذلك مبني على الحرام ولا يُنصح به، بل تجنبه أفضل، وخير منه الثرثرة العادية.

9- عمل البث الحي كل يومين مثلا، وبعضهم يعمله كل يوم، فينتظره المتابعون في ساعة يحددها، ويبدأ الثرثرة عليهم وهم يتابعون ويعلقون، وقد يسألونه في التعليقات عما يرغبون فيه وغير ذلك، فهي فكرة رائعة للتواصل وبناء الجمهور، لكن هذا يتطلب سرعة انترنت كافية شيئا ما، ويكفي فيه الهاتف ووجود مايكروفون.

وبعد أن يحصل الواحد على جمهور من المتابعين يمكنه حينها ان يوجهه نحو أنواع من الربح الأخرى، كأن يعرض منتجاته أو بعض المنتجات التي يروج لها (والبعض له قنوات متخصصة في ذلك)، فالفكرة كلها قائمة على بناء جمهور من المتابعين والأصدقاء والزبائن، وذلك هو أساس الربح في كل شيء، وأوله الإنترنت.

 

أما بالنسبة لنا نحن الموريتانيين، فلا زال الفيسبوك هو سيد الإهتمام على ما فيه من تعب على قلة فائدة، ولم تهتد الأغلبية بعد إلى فائدة اليويتوب عليه، لذا لا زال المثقفون والموهوبون عازفون عن دخول مجاله، وقد يكون ذلك سببا لقلة المتابعين فيه، لأن إهمال النخبة له سبب في إهمال الطبقة التابعة له أيضا، والدليل على ذلك ان مقاطع بعض الموريتانيين على اليويتوب لا تصل لألف مشاهدة حتى بعد مرور أيام! وهذا محبط، ولكن لكل شيء بداية، وعندما يعرف الناس أهمية اليوتيوب سيركزون عليه أكثر من غيره من الوسائل المتعبة التي لا فائدة لها غير التجسس والشقاق، والتعب الغير معوض، اللهم إلا من بعض الإعلانات الممكنة في الفيسبوك وتويتر (وبثمن ليست مجانية)، والتي قد يستفيد منها بعض أصحاب المنتجات وغيرها أيما استفادة.

هذا بالنسبة للعاملين في اليويتوب، أما المتابعين فأجمل شيء في اليوتيوب هو أنه يسمح لهم بعد الإشتراك في القنوات التي يهتمون بها، بمشاهدة جديد تلك القنوات، أي مشاهدة جديد ما يهتمون به فعلا، كالأسفار والدروس وغيرها، ويأتي التلفزيون الذكي بتطبيق أندروييد مدمج يتضمن اليوتيوب، كما يمكن الإستعانة بجهاز Tv box الذي يتم توصيله بالتلفزيون ليحوله إلى نظام الأندرويد إذا لم يكن ذكيا، وبهذا يتابع المشاهد ما يشاء هو، لا ما يفرضه الإعلام الدكتاتوري عليه في أوقات إجبارية يحددها ذلك الإعلام، إضافة إلى عشرات الطرق والوسائل لمشاهدة كل أنواع العناصر الترفيهية والتعليمية التي يهتم بها، فمثلا بدل انتظار فيلم أو حلقة من مسلسل تعرضه قناة رسمية محلية أو خارجية، يمكن الدخول إلى المواقع المتخصصة لمشاهدتها في الوقت المرغوب، لا الوقت الذي يحدده الإعلام المفروض، والذي يعاني بالمناسبة اليوم من اليوتيوب أشد المعاناة حتى أن الفضائيات الشهيرة تتسابق إلى فتح قنوات لها عليه لمنافسة الصغار الذين يبدو أنهم تفوقوا عليها، وأعطيك مثالا بسيطا على تفوقهم، وهو قصة زنجير الدراجة السابقة، هل كان ممكنا أن أجد الحل لو كان الموجود هو الإعلام الحكومي والخارجي فقط؟ أبدا، وغيرها كثير من المسائل المهمة جدا، فمثلا عندما يتحدث الإعلام المفروض علينا عن طريقة ما، فإن هدفه ليس استفادة المشاهدين بقدر عرض الإعلانات، واستعراض مقدم البرنامج أو مقدمته لعضلاتهما من خلال مقاطعة المتخصص وتوجيهه حيث يشاءان، إضافة إلى ضيق الوقت المخصص للبرنامج، لذا ابحث عن أي موضوع تهتم به، وقارن بين المعلومات المقدمة حوله عن طريق الإعلام الرسمي، والمعلومات المقدمة عن طريق أصحاب القنوات من المتخصصين على اليويتوب، وسترى الفرق الشاسع، فلا مقارنة بين القشور والأصول، والصدق والأكاذيب.

 

أرجو أن يكون هذا المقال قد أفادك عزيزي القارئ، وأنا تحت أمرك في أي سؤال متعلق به، وسأعرض بعض النصائح التي أراها مهمة في قناتي على اليوتيوب "أكاديمية الملخصات" (لدي قناة أقدم لكنها مخصصة للحرب على أهل الباطل أكثر منها في مجال الطرق والربح والرأي)، فهذه مناسبة لدعوتك إلى الإشتراك في هذه القناة الجديدة، فقم بلصق كلمة Acadmya في بحث اليويتوب، وستظهر لك القناة وهي بنفس الإسم، بالتوفيق.

 

سيد محمد ولد اخليل

[email protected]

أحد, 26/07/2020 - 13:54