ليس فقط لأنه وقع من غير ذي صفة في نسخته التي سلمت للمستدعى، وليس لأنه الوحيد الذي تم نشره في خرق صريح لسرية التحقيق، حيث أمكن وعلى أوسع نطاق، ولكن لأنه:
1-حين ألحقت باسم من وجه له الاستدعاء صفة "رئيس الجمهورية السابق" دون غيرها من البيانات الشخصية الأخرى (الاسم كما هو في الأوراق الثبوتية، العنوان ...)، فدلالة ذلك أن تلك الصفة هي التي استدعت لأن يشمل الرئيس بالتحقيق الذي تضطلع به اللجنة؛
2-بخلاف جعل الموضوع: "جلسة استماع " وليس حسب المفترض "استدعاء"، حيث تأخر استخدام اللفظ حتى الفقرة الأخيرة من أمر الحضور الذي عنون ب "جلسة استماع"، ما يدل على أن اللجنة تستحضر عدم استساغة مثل ذلك الاستدعاء حال الاعتراف بتلك الصفة "رئيس الجمهورية السابق"؛
3-أما "السيد الرئيس" فجاءت لأنها تناسب التناقض السابق: المعرض للتحقيق لأنه رئيس، وفى نفس الوقت التحرج من استدعائه اعتبارا لتلك الصفة؛
إن مرد ذلك الاضطراب يرجع بشكل مباشر لضعف التأسيس الذي بني عليه "الاستدعاء":
4-فعندما تحاول رسالة "جلسة الاستماع "-إذ ذلك هو عنوانها – تقديم الأساس الذي عليه تم "الاستدعاء"، بالعودة للتوصية رقم 01/20 بتاريخ 30/ 01/ 2020 التي تم بموجبها تشكيل لجنة التحقيق البرلمانية للتحقيق في "بعض الملفات"، دون الحديث عن التوصية 02/20 بتاريخ 16 /04 /2020 التى وسعت نطاق عمل لجنة التحقيق، رغم أن بعض الملفات التي "تم فيها ذكر رئيس الجمهورية السابق" قد تكون -أو هي كذلك -الحقت بمقتضى التوصية 02/20، فإن ذلك يعنى أحد أمرين:
-إن الملفات التي أضيفت بمقتضى توسيع نطاق عمل لجنة التحقيق لم يرد بشأنها "ذكر رئيس الجمهورية السابق"!
-أو أن لجنة التحقيق تستشعر أصلا مخالفة ذلك التوسيع للدستور وللمنطق السليم:
مخالفته للدستور: في ظل تمتع النظام الداخلي للجمعية الوطنية بمرتبة القانون النظامي؛ على اعتبار الزامية عرضه على المجلس الدستوري قبل إصداره (المادة 86 /ج)، ما يرتب استحالة تعديل بعض مقتضيات ذلك النظام دون عرض ذلك على المجلس الدستوري.
ومن حيث المنطق السليم: لأن (المادة 123) من النظام الداخلي قد نصت وبصيغة الإلزام، ودون استدراك رغم كامل الإدراك لتشابك وتداخل القطاعات والملفات على: "يجب أن يحدد هذا المقترح، بدقة، الوقائع التي استدعت التحقيق والمصالح أو المؤسسات العمومية التي سيتم فحص تسييرها ..."، فإن محاولة تبرير أي توسيع لمجالات التحقيق يعد افتئاتا على النظام الداخلي للجمعية الوطنية.
4-التأسيس الثاني للاستدعاء -جلسة استماع-قام على: "ورود اسم رئيس الجمهورية السابق بصفة مباشرة في وقائع وأفعال يحتمل أن تشكل مساسا خطيرا بالدستور وبقوانين الجمهورية الإسلامية الموريتانية ": ويضعضع هذا التأسيس:
-إن أغلب الذين استمعت لهم اللجنة وذكروا اسم رئيس الجمهورية يصلحون شهود نفى لما نسب لهم؛ وهم الذين استمع لهم الشعب من تحت قبة البرلمان وفى البرامج الإذاعية والتلفزية يصرحون -دون ضغط -بعكس ما تنسب لهم اللجنة اليوم من تصريحات.
بل إن بعض أعضاء اللجنة نفسها يصلحون للقيام بتلك الشهادة؛ فسبق أن فندوا وعبر ذات الوسائل، أي تهمة من المعارضين للرئيس السابق بخرقه للدستور أو القانون.
-أما بخصوص تكييف لجنة التحقيق للوقائع المنسوبة لرئيس الجمهورية السابق باعتبارها: "يحتمل أن تشكل مساسا خطير بالدستور والقوانين"، ودون الخوض في حجية ذلك التكييف، فإن مساءلة رئيس للجمهورية عن المساس الخطير وغير الخطير بالدستور لا تطال سوى رئيس ممارس لأنه وحده المسؤول عن مثل ذلك المساس شرط أن يعد خيانة عظمى، وحصرا أمام محكمة العدل السامية التي لا تحاكم الرؤساء السابقين.
أما المساس بقوانين الجمهورية، فالمفترض أن يضطلع الادعاء العام ومحاكم القانون العادي بتحريك الدعاوى والتحقيقات والحكم بشأنها.
فوق ذلك، فإن اتهامات الذين استمع لهم للرئيس السابق بما يبدو أنه وقر في قلب اللجنة يجعل استدعاء الرئيس ليس بصفته شاهدا بسيطا؛ ليس محل شك فى أنه شارك أو حاول المشاركة في ارتكاب المخالفات محل التحقيق، يكتفى بتقديم دعمه لإظهار الحقيقة، بل بصفته شاهدا من النوع الذي تنهض ضده مؤشرات تدفع للاعتقاد باشتراكه فى ارتكاب المخالفات التي تعهدت فيها جهة التحقيق.
صنفت اللجنة الرئيس السابق ضمن الصنف الثاني من الشهود دون أن تلتزم بما يقتضيه ذلك التصنيف من تمكين من تلك وضعيته من الوصول للملفات، والحق في مواجهة من نسبوا له عملا مخالفا، إضافة إلى عدم مطالبته بأداء اليمين وحقه في الاستعانة بمحام.
على ذلك سيكون متفهما عدم رد الرئيس على "جلسة استماع " التي وجهتها له لجنة التحقيق البرلمانية، أو رده بالاعتذار عن الحضور لما شاب هذا "الاستدعاء" من عيوب ليس آخرها أن النسخة التي وصلته منه لم تصدر عن ذي صفة.
أو حتى حين قبوله مبدئيا للاستدعاء، اشتراط تمكينه من محاضر أعمال اللجنة وحقه في مواجهة المصرحين والاستعانة بمحام، فهو لم يعد شاهدا عاديا حتى وإن لم يوجه له الاتهام رسميا بعد.