فيما كان العالم يحاول فهم واقع منظومته الدولية بعد صراع محتدمبين "قوى الفيتو" في مجلس الأمن،إثر حرب أوكرانيا؛ إذ طفت من جديدقضية فلسطين ما بعد 7 أكتوبرالماضي على السطح، مشكلة منعرجاهاما وتحديا حقيقيا انضاف لما قبلهوجدد حضور مأساة إنسانية لا تغيبعن الواجهة إلا لتعود مجددا دونحل.
ولئن كان الحديث مبدئيا يشكل أكاديمي في السياق ينبغي الحاليينبغي أن يكون عن طبيعة ما يجري الآن في فلسطين، ثم تحليلالمعطيات المتوفرة، والخروج باستنتاج معينة؛ إلا أن هذا المسار ينبنيعلى معطيات معدومة الدقة تتجلى في إجابة الفعل الدولي على أسئلةمن قبيل:
-ما القوة المحتلة في الصراع الدائر الآن في غزة
-وما واجباتها
-ومن يسائلها وعن ماذا
-وهل حركات التحرر الوطنية من منظور القانون الدولي باتت في خبركان؟
ذلك أن هذه الأسئلة تجاوزها الزمن للأسف، وبات الواقع مليئا بتناقضأجوبة مختلفة قدمتها منظومة الأمم المتحدة بمختلف أجهزتها، وظلتمع ذلك عاجزة عن الوفاء لأي من مواقفها المتناقضة تلك.
وبالعودة للأصل دون القيام بإسقاط على واقع بعينه، وبشكل مجرد؛يتضح أن القانون الدولي منح الشعوب حق تقرير مصيرها وحقها فياستعمال القوة المسلحة كأسلوب لتقرير هذا الحق، بعد أن حرّم القانونالدولي العام الاحتلال والعدوان.
وبشكل أكثر تفصيلا، فإن القانون الدولي منح لحركات التحرر حقاللجوء إلى القوة المسلحة كأسلوب من أجل تحقيق أهدافها، كما هوالحال مع حق الدفاع عن النفس المنصوص في المادة 51 من ميثاقالأمم المتحدة، وحق استخدام القوة من قبل مجلس الأمن المنصوص فيالفصل السابع من ذات الاتفاقية.
على ذلك فإن هذا الحق أصبح أساسيا في القانون الدولي وله القوةالإلزامية القصوى، وذلك من خلال ممارسات الأمم المتحدة، التي منبينها القرار 1514 عام 1960 وكذلك القرار 3103 عام 1978، الذيناعتبرا أن كفاح الشعوب لتقرير مصيرها هو كفاح مشروع يتفق معمبادئ القانون الدولي العام.
وإلى ذات المنحى ذهبت محكمة العدل الدولية التي أكدت على هذاالمبدأ في أكثر من حكم نذكر منها قضية الصحراء الغربية وقضيةناميبيا وقضية نيكاراغوا ضد الولايات المتحدة الأميركية، والمحكمة لمتؤكد فقط على هذا المبدأ بل اعتبرته حقا من القواعد الآمرة من قواعدالقانون الدولي العام.
عطفا غلى ما تقدم وغداة العودة لسياق الأحداث الجارية في فلسطين؛يتضح أن مجلس الأمن والأمم المتحدة يتحملان كامل المسؤولية عمايحدث، وأن الفلسطينيين يمارسون حقهم المشروع للتحرر من نيراحتلال فشلت المنظومة الدولية في تصفيته.
فحتى عام 2023 الجاري تم إصدار ما يزيد على 135 قرارا أممياحول فلسطين المحتلة، لا يذكر التاريخ استجابة إسرائيل لقرار واحدمنها، ولعل من أبرزها القراران الشهيران؛ الأول رقم 181 الصادر فيالعام 1947، والثاني رقم 242 لعام 1967، المتعلقان بتقسيمفلسطين إلى ثلاث دوائر؛ عربية ويهودية وخاضعة لوصاية دولية، فيماطالب القرار الثاني إسرائيل بالانسحاب من الأراضي العربية التياحتلتها نتيجة لحرب 1967. دون أن يتم تطبيق أي من هذه القرارات.
وفي سياق الحرب الجارية يلاحظ أن مما أضافته إسرائيل في جعبتهاالممتلئة بالقرارات الأممية غير المنفذة هذه المرة؛ أنها جعلت القانونالدولي وراء ظهرها بكل ما في الكلمة من معنى، وذلك تجلى في عدةمظاهر منها بالإضافة لما ذكر أعلاه:
-أنها انتهكت بشكل واضح وفج وموثق جميع الاتفاقيات الدولية كما لمتفعل هي أو أي دولة أخرى في التاريخ الحديث من قبل، وبالأخصاتفاقيات الحرب الموقعة في لاهاي وجنيف.
-أنها جرت للدفاع عن ممارساتها غير القانونية هذه المرة بشكل علنيفريقا ضم 3 دول من أصل 5 تمتلك حق النقض الفيتو بمجلس الأمن(الولايات المتحدة - فرنسا - المملكة المتحدة).
-أن إسرائيل تقوم علنا بعملية إبادة جماعية عن سبق إصرار وترصد،لترحيل السكان الأصليين من أرضهم قسرا أو تطهيرهم عرقيا بموافقةومباركة من طيف كبير من العالم يشكل جزءا هاما من المجتمع الدولي.
وأمام هذا الواقع المزدحم بالمعطيات المتضاربة، تنزاح مضطرة قيمالعدالة الدولية جانبا فاسحة الطريق لصراع أممي جديد يشبه الحربالباردة غير أن طرفيه باتا يخوضان الحرب بالوكالة بدل أن تُخاضبالنيابة عنهما.
ولعل طرحا قدم في الأوساط الأكاديمية قبل سنوات بات اليوم أكثرإلحاحا، وهو ضرورة إصلاح المنظومة الدولية بشكل يراعي مصالحالعالم أجمع لا مطامع أحزاب معينة في بلدان محدودة، للحيلولة دونتفاقم أزمات العالم والانزلاق نحو هاوية وجدت الأمم المتحدة أصلاكأداة لتجنيب العلم لها، هاوية الاقتتال والاستهتار بأرواح البشر.
وإلى ذلك تبقى حركات التحرر الوطني، وعلى رأسها المقاومةالفلسطينية اليوم؛ صاحبة شرعية الدفاع عن أرضها حتى يمكن شعبهامن حقه في تقرير المصير والعيش بسلام على أرضه، ويبقى الاحتلالالإسرائيلي مسؤولا عن جرائمه السابقة واللاحقة، و"التاريخ حليفالأمم المغلوبة".