أثار انتباهي الخبر الذي تناولته مؤسسات إعلامية عديدة مفاده توجيه رئيس الجمهورية أوامره للوزراء بضرورة الاتصال برئيس حزب الحاكم مما أثار تساؤلي ، عن أية حكومية تحكمنا ؟ ، شخصيات مستقلة غير حزبية ؟ أم وزراء تكنوقراط فنيين ؟
بدون عناء المتأمل في خريطة وزراء حكومة رئيس الوزراء المهندس إسماعيل بده الشيخ سيديا يتضح له أن رئيس الجمهورية فضل خيار تشكيل حكومة تكنوقراطية تتشكل من وزراء ذوي خبرة فنية ، ومن تقييم لأدائهم نلحظ افتقاد معظمهم للدهاء السياسي والكاريزما التي تتوقع عادة للتأثير على الرأي الوطني ، بل إن الكثير منهم عاجز كوزير عن الدفاع عن سياساته رغم منطقيتها وصحتها، بل ووصل الأمر ببعضهم لاستجداء الثقة به والاطمئنان على قطاعه ما دام هو يديره ، مما يؤكد على استمرا إدارة موريتانيا طرف الفنيين ، فخلال مدة الــ 10 سنوات الماضية لم تكن هنالك حكومة سياسية بل تم تجريب فنيين كوزراء موظفين ينفذون أوامر الرئيس مما أحدث فراغا سياسيا في جسم النظام السابق ، وعطل البرامج والأفكار، وانعمدت الشفافية والوضوح في تسيير الملفات وكان الهدف النتائج بغض النظر عن ما استنزفته من قدرات مالية فائقة، رغم وجود وزراء يملكون الخبرة الفنية إلا أنهم يفتقرون للحد الأدنى من الخبرة السياسية ، مما أدى لأن يرتكبوا أخطاء جسيمة سببها غياب الإلمام بالسياسة لدى معظمهم ، وعلى ما يبدوا لا يريد مستشاري نظام الحكم الراهن الاستفادة من تجربة العشرية الماضية التي قامت على إغراق الحكومة بالتكنوقراط ، فالوزير السياسي هو الرهان الأوحد الذي تجب المراهنة عليه خلال الفترة المقبلة لقدرته على الدفاع عن سياساته وخططه .
والمتأمل في تاريخ تشكل الحكومات بالبلد يتضح له أن الحكومة السياسية ظلت البلسم المنقذ للبلد من أزماته المزمنة فتاريخيا بعد أي أزمة خانقة بالبلد الرهان يكون على الحكومات السياسية لا التكنوقراطية العاجزة عن استيعاب وامتصاص التململ الشعبي سواء داخل الأطراف المشكلة للسلطة أو خارجها ، وحينما نعود إلى الوراء فأول حكومة للنظام السابق سياسية ، وأول حكومة لسيدي كانت سياسية بامتياز ، أول حكومة لأعل سياسية ، أول حكومة لمعاوية سياسية ، أول حكومة لهيدالة سياسية ، وأول حكومة ولد السالك سياسية ، ففي المسار التاريخي السياسي ظل الحل في وزراء سياسيين لأن مجال الحكم مجالا سياسيا وليس فنيا .
سيادة الرئيس : لقد أزفت لحظة الاستعانة بوزراء سياسيين ، لأن المرحلة تستدعي الاعتماد على حكومة سياسية أو تكنوسياسية ، ينتسب وزرائها للأحزاب السياسية أو أصحاب خلفية سياسية ، وتمتلكون سيادة الأخ الرئيس من خلال الملتفين حولكم من الشخصيات الوطنية من مختلف أقطاب المشهد السياسي ما يجعلكم قادرا على تشكيل حكومة تعبر عن مختلف ألوان المشهد الوطني بجميع تمظهراته وتشكلاته .
فمن المهم الانتباه حاضرا ومستقبلا إلى أنه لا يمكن أن تسير موريتانيا بحكومة لا تنتمي للأحزاب السياسية وتتحمل المسؤولية التامة فيها ، ولا يمكن أن يظل الرئيس الأخ غزواني يحكم البلد بدون حزام سياسي ــ يحميه ويتحمل معه المسؤولية السياسية ـ لن يتشكل بدون حكومة إنقاذ تكنو سياسية تتألف من عدد من الوزراء السياسيين الممثلين للأحزاب والقوى الداعمة للرئيس ، مع وزراء تكنوقراط في وزارات بعينها ، فحالة الانفتاح وهامش حالة التطبيع السياسي مع حجم الحريات الممنوحة للوزراء لن تؤتي أكلها إلا في ظل الوزير السياسي لا الوزير الفني التكنوقراطي الذي ينفذ السياسات ولا يناقش أو يجادل ، ولذلك فإن مخاطر التحديات التي تواجه البلد لا تمكن مجابهتها بدون حكومة إنقاذ تكنوسياسية تتلافى الأخطاء التي طبعت تسيير حكومة الفنيين .
وبصرف النظر عن نجاحات حكومة التكنوقراط هنا أوهناك إلا أن الأخ الرئيس غزواني الذي رفع شعار محاربة الإقصاء والتهميش مطالب أن يضع حدا للتهميش في حق السياسيين ويدفع باتجاه حكومة سياسية تدبر شؤون البلد وتضع حدا لنهاية تهميش دور الأحزاب وغياب تمثيلها في الحكومة .
فلا مفر للأخ الرئيس غزواني من أن يكون رئيسا سياسيا يكرس السياسة ويعيد للأحزاب السياسية دورها المنوط بها ، من خلال تشكيل حكومة سياسية ، فما تقوله اليوم للشعب في ظل كورونا قد يكون مقبولا ولكنه لن يصبح مقبولا في ظرف ما بعد الجائحة ، ويظل دائما وأبدا الوزير السياسي هو الذي يعرف وفي أي وقت كيف يخاطب الشعب ويدافع عن سياساته ، فالحل إذن في حكومة تكنوسياسية لا تكنوقراطية