أصدر مكتب مراقبة ومكافحة الاتجار بالبشر التابع لوزارة الخارجية الأمريكية تقريره السنوي 2022 حول وضعية الاتجار بالبشر في بلادنا . وقد تَعَرَضَ التقرير ، إلى جانب هذا الموضوع ، لمواضيع أخرى حساسة تحظى باهتمام المواطنين والحقوقيين الموريتانيين ولكنها تشكل مصدر قلق وإزعاج مستمر للمسئولين السياسيين والأمنيين في بلادنا . يتعلق الأمر بمواضيع : العبودية الوراثية ، وتهريب المهاجرين والتسول القسري وما يتصل بهذه المواضيع من تدابير قانونية وأمنية وإدارية واقتصادية . التقرير يبدو كما لو كان نوعا من ذَرِ الرماد في العيون ، لأنه في الوقت الذي يٌنَوِهٌ بالتدابير التي قامت بها موريتانيا في مجال مكافحة الاتجار بالبشر ، ويبشر الموريتانيين بتصنيف بلادهم ضمن قائمة بلدان " المستوى الثاني بدون مراقبة " ، فإنه لم يتردد في وصف تلك التدابير بأنها ما زالت عَمَلِيًا حِبْرًا على ورق . يعترف التقرير بأن الحكومة الموريتانية بذلت جهودا لمنع الاتجار بالبشر وذلك في إشارة إلى ما قامت به : المفوضية ، بتوجيه من مكتب رئيس الوزراء ، من تنسيق للجنة حقوق الإنسان المشتركة بين الوزارات ، والتي كانت مسئولة عن تنفيذ خطة العمل الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر". كما يعترف التقرير أيضا بأنالحكومة قامت خلال السنة المنصرمة ( 2022م ) بتعزيز القدرة على الاستجابة لمكافحة الرق والاتجار بالبشر على مستوى البلاد ، على النحو المنصوص عليه في قوانين 2015- 2020 . هذا فضلا عن " تنفيذ قانون " منظمات المجتمع المدني وزيادة - مٌعْتَبَرَه - في تمويل خطة العمل الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر" .
هذا إذن فيما يتعلق بالجانب المٌشْرِقْ من تقرير الخارجية الأمريكية الذي يمكن تلخيص فوائده على موريتانيا في نقطتين : الأولى تحسين صورة موريتانيا دوليا في مجال الارتقاء بحقوق الإنسان ، والنقطة الثانية تعزيز الشراكة الاقتصادية بين موريتانيا وأمريكا وتأهيلها للاستفادة من بعض التمويلات المالية المحتملة . أما الجانب المَسْكٌوتْ عنه من التقرير فإنه يَجٌبٌ ما قبله من حسنات ومكاسب ويَصِفٌ الخطة الموريتانية لمكافحة الاتجار بالبشر كما لو كانت خطة غير مكتملة الأركان وتفتقر إلى الإرادة الجماعية اللازمة للتطبيق .
فبحسب هذا التقرير ، " لا تَفِي حكومة الجمهورية الإسلامية الموريتانية بالكامل بالحد الأدنى من معايير القضاء على الاتجار بالبشر" ، وذلك للأسباب الواردة في التقرير ، نذكر بعضها على النحو التالي :
- أنها لم تنفذ التدابير الحالية لمحاسبة المتاجرين بالبشر ومالكي العبيد أو حماية الضحايا ،ولم تسفر جهودها عن نتائج ملموسة.
- تَلَقَى القضاة المعينون تدريبًا متخصصًا ضئيلًا على قوانين مكافحة الرق لعام 2015 و 2020 لمكافحة الاتجار بالبشر.
- افتقرت محكمة الاستئناف إلى التدريب على قوانين مكافحة الرق ومكافحة الاتجار " بالبشر".
- أن الحكومة لم تنشر المعلومات الكافية أو تدرب القضاة أو الشرطة أو موظفي الخدمة الاجتماعية أو أصحاب المصلحة في المنظمات غير الحكومية على قانون مكافحة الاتجار لعام 2020. وظل المسئولون عن إنفاذ القانون يفتقرون إلى الفهم الكافي للاتجار بالبشر والعبودية الوراثية.
- واصلت الحكومة جهودا ضئيلة لتحديد وحماية ضحايا الاتجار بالبشر. لم تبلغ الحكومة عن تحديد ضحايا الاتجار للسنة الرابعة على التوالي. لم يكن لدى الحكومة إجراءات رسمية لتحديد ضحايا الاتجار أو إحالتهم إلى الرعاية ....
- ظلت الوكالات الحكومية المكلفة بمكافحة الاتجار( بالبشر ) والعبودية الوراثية تفتقر إلى الموارد والتدريب والموظفين ؛ واستمر ورود تقارير عن مسئولين يرفضون التحقيق مع الجناة أو مقاضاتهم
- لم يكن لدى الحكومة سياسة رسمية لتشجيع الضحايا على المشاركة في التحقيق والملاحقة القضائية للمتاجرين المزعومين ، ولم تبلغ عن تقديم أي خدمات ، بما في ذلك حماية الشهود أو بروتوكولات السرية ، لحماية الضحايا من التهديدات أو التخويف من المتاجرين بهم.
- تقوم وكالات أجنبية ووسطاء موريتانيون بتجنيد النساء الموريتانيات عن طريق الاحتيال في وظائف التمريض والتدريس بالخارج ثم استغلالهن في الخدمة المنزلية والاتجار بالجنس في الخليج ....
هذه الإحالات المباشرة إلى تقرير 2022م تعكس الوجه الآخر لتقييم الخارجية الأمريكية لوضعية الاتجار بالبشر في موريتانيا وذلك بعيدا عن القراءة الرسمية التي حَوَّلَتْ هذا التقرير إلى فتح مٌبِينٍ لبلادنا في مجال ترقية حقوق الإنسان . ذلك أن مٌحَرِرْ التقرير الأمريكي يمسك العصا من الرأس ولسان حاله يقول أن الحكومة الموريتانية " أظهرت بعض الالتزام بمكافحة الاتجار بالبشر والعبودية الوراثية " إلا أن " الفساد والتواطؤ الرسمي في جرائم الاتجار – ظل - مصدر قلق كبير ، مما أعاق إنفاذ القانون خلال العام " 2022م . التوصيات ذات الأولوية الواردة في التقرير تكشف بوضوح عن هذا التصور الأمريكي المزدوج الذي يمكن وصفه بالموضوعي ، كونه يعكس بصدق ومن دون مجاملة وجهة النظر الأمريكية المتناقضة حول وضعية حقوق الإنسان في بلادنا ، إلا أن ما ينبغي التعويل عليه هو مبادرتنا حكاما ومحكومين إلى مضاعفة الجهود واستكمال النواقص للتنفيذ الكامل للخطة الوطنية لمكافحة الرق والاتجار بالبشر في موريتانيا .
الدكتور سيدي محمد يب أحمد معلوم
خبير في إدارة عمليات الاكتتاب والمسابقات