تحدثنا في الجزء (2) من هذا المقال عن وضعية البلاد في مختلف المجالات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والحقوقية والأمنية والدبلوماسية غداة وصول الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز للسلطة سنة 2008 ووضعيتها اليوم في تلك المجالات، حيث رئيس جديد ووضعية مختلفة رفعت عنه الكثير من الأعباء والتحديات، تاركة له أعباء وتحديات أخرى، لكنها بالتأكيد أخف بكثير من تلك التي كانت مطروحة للبلد قبل عشر سنوات ولا وجه للمقارنة، ونواصل وصف تلك الوضعية وما كانت عليه مجالا مجالا وما أصبحت عليه اليوم، ونحن نتحدث عن واقع ميداني على الأرض لا يتطلب غوصا في المحيط ولا مركبات فضاء لرؤيته، وبإمكان كل من يريد وضع خط، أو ما شاء من خطوط تحت أي مما قدمناه ويراه غير صحيح.
(*) لن يجد رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني وضعية البلد اليوم من حيث إنتاج وتوزيع الطاقة على تلك الوضعية التي وجدها عليها الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز سنة 2009، عندما كان المتوفر منها بطول البلاد وعرضها حوالي 75 ميغاوات في صورة مولدات حرارية متهالكة تتعطل لليوم عشر مرات ويتم توزيع إنتاجها بالتناوب بين الأحياء، لأن البلد اليوم يتوفر على 430 ميغاوات ستبلغ نهاية السنة 530 ميغاوات مع بدء تشغيل توربينات مزرعة الرياح ( 100 ميغاوات ) ببولنوار، وهي قادرة على بلوغ 950 ميغاوات بمجرد تزويد المحطة المزدوجة ( 700 ميغاوات ) شمال نواكشوط بالغاز، ونصف هذه القدرة الطاقوية آت من المصادر النظيفة، ونصفها أيضا هو حاجة البلد في الوقت الحالي والمتبقي فائض يتم تصديره لمن يطلبه من دول الجوار إلى حين الحاجة إليه محليا.
وقد بدأت شبكات ربط حواضر البلاد ومناطق إنتاجها بشبكات الجهد العالي انطلاقا من نواكشوط نحو نواذيبو وازويرات وكرمسين والجنوب الشرقي للضفة، ثم الخط الشرقي نواكشوط ـ النعمة لاحقا.. ليتم بذلك التغلب على العجز في الإنتاج والنقص المزمن في الكهرباء بهذه المناطق، ويُستغنى عن أغلب المحطات المنفردة في كل مدينة وعن تسييرها وتزويدها بالوقود بواسطة الصهاريج عبر مئات الكيلومترات.. وبالتالي فقد أعفى الحكم السابق الحكم الحالي بعد " عشرية سوداء " من إجراءات وسياسات البحث عن موارد جديدة لتغطية حاجيات البلاد من الطاقة، تاركا له الأبواب مُشرعة لاستغلال هذه المقدرات الطاقوية الفائضة في تنفيذ ما أعلنه من برامج ما كان ليقدر على التفكير فيها قبل إنتاج الطاقة الكهربائية اللازمة لها، ولا يجهل مكانة الطاقة ومحوريتها في أية سياسة تنموية إلا جاهلا بأسس التنمية نفسها.
(*) لن يجد رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني البلد من حيث الحالة الطرقية بالوضعية التي وجدها عليها الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، حيث 22 مقاطعة ومركز إداري من مختلف الولايات في عزلة منذ الاستقلال هي ( كرمسين، المذرذره، أركيز، جدر المحكن، أوجفت، شوم، زويرات، الرشيد، نوامغار، بنشاب، مال، باركيول، كنكوصه، بومديد، مقامة، أمبود، تامشكط، باسكنو، فصاله، جكني، آمرج، عدل بكرو ). وقد أصبحت أغلب هذه المراكز الحضرية اليوم مربوطة بالطرق هي والمئات من القرى والتجمعات التابعة لها وبقيتها القليلة الطرق المعبدة على مشارفها اليوم.
وجاهزة اليوم دراسة وتمويل محور ( تجكجه ـ القدية ـ بومديد ـ كيفه ـ كنحوصة ـ ول ينج ـ سيليبابي )، ودراسة وتمويل تأهيل محور ( بوتلميت ـ آلاك )، دون أن ننسى محاور ( نواكشوط ـ آكجوجت )، ( نواكشوط ـ روصو )، ( نوكشوط ـ بوتليميت )، ( كيفه ـ الطينطان )، ( لعيون ـ كوبني ) التي تمت وتتم إعادة تأهيلها. وبالتالي فقد كفى الحكم السابق الحكم الحالي مهمة البحث عن موارد وتمويلات جديدة بمئات المليارات لربط هذه المناطق، ليستغل تلك الموارد في مناح تنموية أخرى ما كان يمكن تنفيذها لو كانت أولويات فك العزلة لا تزال مطروحة.. ولم يتبقى اليوم للحكم الجديد بعد هذه " العشرية السوداء "من المدن المعزولة سوى أربع مقاطعات فقط هي مقاطعات المدن القديمة، ولاته وتيشيت وشنقيط ووادان، والفرق كبير من حيث التحديات ما بين من سيباشر تعبئة الموارد لربط أربع مدن فقط بقيمة 40 مليار أوقية، ومن سيجد أمامه الحاجة لتعبئة 350 مليار أوقية ( مليار دولار ) لربط 22 مدينة ومئات القرى والتجمعات بأزيد من 3000 كيلومتر ما بين طريق جديد وآخر مُعاد تأهيله.
(*) لن يجد رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني وضعية البلد في المجال الزراعي على الوضعية التي وجدها عليه الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، حيث القطاع المروي منهار وفاعلوه تائهون وعازفون عنه وعن الاستثمار فيه بفعل الخسائر والإهمال وتخبط السياسات والتلاعب بالقروض والتمويلات، إنتاجه قليل و رديئ يعزف المستهلكون عن استهلاكه فيقدمونه علفا للحيوانات، وهو اليوم قطاع صاعد تضاعفت المساحات المستصلحة والمزروعة منه مرات ومرات، وشُقت له قنوات الري، وأقبل عليه الفاعلون والمستثمرون، وانتقل عدد معامل تقشير إنتاجه من الأرز من 3 معامل سنة 2009 إلى 25 معمل كبير اليوم، فتضاعف إنتاجه وتحسنت نوعيته بشكل ملحوظ، وزاد إقبال المستهلكين عليه مما خفَّض استيراد البلاد من الأرز سنويا من 165 ألف طن إلى 65 ألف طن. وبالتالي ما على الحكم الحالي سوى أخذ القطاع من حيث تركه الحكم السابق ومواصلة تطويره وتنويعه بتطبيق الخطة الاستراتيجية التي وُضعت له خلال هذه " العشرية السوداء "!
(*) لن يجد رئيس الجمهورية محمد ولد الغزواني وضعية البلد من حيث الإمداد بمياه الشرب على الوضعية التي وجده عليها الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، حيث كبريات المدن تعاني الشح الشديد في مياه الشرب ودعك من الحديث عن المياه اللازمة للصناعة والاستثمار، والأرياف تشرب مياه المستنقعات الملوثة ومياه الآبار المالحة إن وُجدت، بل والعاصمة نواكشوط تشرب على ظهور الحمير كلها، وحتى مع وصول مياه آفطوط الساحلي إليها تفاقمت مشكلتها وانفجرت شبكتها القديمة المتهالكة مما أغرق المدينة بالمياه المتسربة واستوجب البحث عن موارد جديدة بعشرات المليارات لتجديد كامل شبكتها وهو ما تم، وهو ما أخَّر تعميم المياه على كل الأحياء بأطراف العاصمة..
واليوم كل المراكز الحضرية والقرى والأرياف التي بها مياه جوفية قابلة للاستغلال، أو تلك التي بالإمكان جر المياه إليها من بحيرات جوفية أو من النهر تم تزويدها بمياه الشرب، في الحوضين عبر مياه بحيرة أظهر، وفي لبراكنه عبر مياه بحيرة بو احشيشه، وفي آفطوط عبر سد فم لكليته، وفي سيليبابي عبر رافد كّري، وفي انواذيبو عبر زيادة ضخ بحيرة بولنوار وتحلية مياه البحر. وفي كيفه بتنقية مياه بحيرة " نكّط " في انتظار مدها هي الأخرى بمياه النهر، فيما بدأ مصنع الأنابيب الضخمة في آكجوجت لنقل مياه النهر لولايات الشمال. وبالطبع باقية وستبقى قرى وتجمعات تعاني العطش واقعة في مناطق تنعدم فيها المصادر المائية الجوفية العذبة، وسيكون جر المياه إليها سواء من النهر أو من البحيرات الجوفية البعيدة مكلفا وبلا مردودية، فلا هي مناطق إنتاج معتبر، ولاهي مراكز حضرية بكثافة سكانية كبيرة، وبذلك يكون الحكم السابق في " عشريته السوداء " رفع عن الحكم الحالي أكبر التحديات في هذا المجال.
(*) لن يجد رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني وضعية البلد من حيث الموانئ كبلد مطل على محيط بطول 750 كيلومتر غني بالأسماك على الوضعية التي وجدها عليها الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، حيث ميناء صيد تقليدي وحيد ضيق ومغلق بحطام السفن، ليتم تنظيفه وتوسيعه بزيادة سعته أضعافا، وتمت توسعة ميناء الصداقة بأضعاف سعته هو الآخر وتجري اليوم عملية ثانية لعصرنته وتوسيعه، كما شُيدت سلسة موانئ صيد تقليدي وموانئ تجارية وخدمية على طول الشريط الساحلي، تانيت ( صيد تقليدي )، مشروع ميناء فرنانه ( صيد تقليدي )، انجاكّو ( ميناء صيد تقليدي، ميناء تجاري، ميناء عسكري وورشات خدمية )، بالإضافة إلى ميناء الأعماق في نواذيبو المتقدمة إجراءات تشييده، وبذلك يكون الحكم السابق قد كفى الحكم الجديد مؤونة البحث عن موارد وتمويلات جديدة لإقامة الموانئ البحرية.
كما لن يجد رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني قطاع الصيد على الوضعية التي وجده عليه الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز في صورة قطاع منهوب لا حماية له ولا رقابة عليه، هزيل المردودية على اقتصاد الدولة وعلى صياديه التقليديين وعلى السكان، بل سيجده قطاعا صاعدا واعدا مُراقبا ومحميا بقوة خاصة مدربة ومجهزة بالبواخر والمعدات، وتنتقل عائداته من 120 مليون دولار سنة 2008 إلى مليار دولار اليوم، وتنتقل مصانع تحويله من بضعة مصانع إلى أزيد من 40 مصنع اليوم، ويساهم في الأمن الغذائي للمواطنين من خلال توزيع أسماكه في أعماق البلاد بسعر رمزي، وبالتالي ما على الحكم الجديد سوى مواصلة تطوير هذا القطاع الذي لا يزال يعد بمقدرات وفرص كبيرة بعد أن رفع عنه الحكم السابق خلال "عشريته السوداء " أصعب وأكبر التحديات.
(*) لن يجد رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني قطاع الصحة على الوضغية التي وجده عليها الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، حيث ثلاث مستشفيات فقط بعاصمة البلاد خالية من التجهيزات ومن الطواقم الطبية ومن سيارات الإسعاف، وحيث مجرد فحص بسيط يتطلب السفر للخارج، بل سيجده قطاعا شبه مكتمل البنية التحتية من عشرات المستشفيات الكبيرة العامة والمتخصصة المجهزة بالمعدات الصحية والطواقم الطبية موزعة على العاصمة وعواصم الولايات، وحيث مئات المراكز والنقاط الصحية داخل البلاد، وتمد تلك المستشفيات والمراكز والنقاط الصحية كلية للطب كانت غائبة، وأربع مدارس للصحة لم يكن موجواد منها سوى واحدة، وحيث الأدوية تُباع تحت أشجار سوق " كبيتال " تحت أعين مسؤولي قطاع الصحة، وحيث الصيدليات أفران ل " شي " الأدوية بلا معايير ولا تكييف، وحيث لا مختبرات للأدوية ولا لتشخيص الأمراض السارية، وبذلك لن يحتاج الحكم الحالي لتلك المئات من المليارات التي أنفقت في تحديث القطاع، ولم يبق له سوى استثمار هذه البنية التي سلمته أياها " العشرية السوداء " وتفعيلها أكثر للرفع من مستوى أدائها، ثم تعزيزها بما أمكن من إجراءات وإمكانيات في قطاع دائم التطور ولكن لم يمكن بالإمكان تطويره دون وضع بنيته الأساسية أولا، وقد وُضعت اليوم وأصبح الحديث عن إصلاحه والرفع من أدائه ذا معنى.
(*) لن يجد رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني وضعية التعليم بشقيه الأساسي والعالي على الوضعية التي وجده عليها الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، حيث النقص الكبير في الحجرات الدراسية وفوضى الاستغلال وانعدام المردوية في الموجود منها، وحيث المدرسون والمعلمون يُكتتبون من الشارع من صفوف المتسربين من أقسام التعليم الأساسي في ظل وجود مدرسة تكوين للمعلمين وحيدة، وحيث النقص المزمن أو الغياب التام للكتاب المدرسي غالبا، وحيث الطلاب الجامعيون يدرسون في مخازن للحبوب في ثلاث كليات تُخرج الدفعات تلو الدفعات من الأفواج المسدودة أمامهم الفرص بفعل ميادين تخصصاتهم، وحيث الغياب شبه التام لأي مستوى من التكوين المهني والتقني العالي والمتوسط الذي يحتاجه سوق العمل، حتى ما كان موجودا منه مغلقا كالمدرسة الوطنية للإدارة، ومدرسة التكوين الزراعي بكيهيدى، غير أن الحكم الحالي سيجد أمامه قطاعا مكتمل البنية الأساسية من مدارس وإعداديات وثانويات، ومن مدارس متعددة لتكوين المعلمين بدأت تمد القطاع بالمدرسين المكونين على مدى ثلاث سنوات بدل سنتين في المدرسة الوحيدة التي كانت موجودة، وبمؤسسة لطباعة فائض من الكتاب المدرسي سنويا، وبمدارس ومعاهد مهنية وتقنية ها هم خريجوها يتفوقون في المسابقات الدولية لسنوات متتالية، وبجامعتين بسبع تخصصات.. وبذلك مهدت " العشرية السوداء " الطريق اليوم لكل من يريد إصلاحا حقيقيا للتعليم بشكل بيداغوجي لا ديماغوجي.
(*) لن يجد رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزراني وضعية المطارات في البلاد على الوضعية التي وجدها عليها الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، حيث مطار نواكشوط ( برصت خد ) وسط العاصمة ضيق ومتواضع ومهدد لسلامة السكان، باعتبار المطارات هي أول نقطة وصول للقادمين إلى بلدك قصد الاستكشاف أو السياحة أو الاستثمار.. ولن يحتاج الحكم الجديد لتعبئة مئات مليارات الأوقية من جديد لبناء مطار دولي عصري في نواكشوط، أو مطار عصري في أزويرات، أو مطار دولي جديد في العاصمة الإقتصادية نواذيبو الجاهزة إجراءات بناءه، ولن يحتاج لتعبئة موارد جديدة لإنشاء شركة وطنية للطيران في ظل وجود شركة عاملة تمتلك وتُشغل طائرات حديثة سيكون عليه فقط السهر على نموها وتطويرها، ولن يجد دولة منذ استقلالها وإلى غاية 2010 تأخذ الطائرات والوفود القادمة إليها جوا الإذن في الهبوط والإقلاع من برج مطار " ليوبولد سنغور " بداكار! بل دولة تتحكم في أجوائها وتأخذ الرسوم على الطائرات العابرة لمجالها الجوي بفعل ما وضعته من مستلزمات ذلك على أرضها، وكل ذلك لم يكن موجودا وقد كان حصيلة لهذه " العشرية السوداء "!
(*) وأخيرا وليس آخرا، واليوم وغدا وليس الأمس، سيجد رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني دولة تتدخل بشكل فوري عند الكوارث معتمدة على إمكاناتها ومدخراتها المالية واللوجستية، ومؤسساتها العسكرية والمدنية، ومخازنها العامرة بالمواد الإغاثية، ويجتمع مسؤولو قطاعاتها بالممثليات الأممية والدولية العارضة لمساعداتها، فيؤكدون لها أن الدولة تمتلك كل الامكانات المطلوبة، وقادرة على مواجهة كل الأضرار الناجمة عن موجة الأمطار والسيول التى شهدتها بعض المناطق.. لا دولة دائبة، قبل هذه " العشرية السوداء " على إطلاق صيحات الاستغاثة والاستنجاد للمانحين والمتصدقين، تطلقها إذا حصل جفاف وتطلقها إذا حصلت فيضانات أو سيول، وتطلقها إذا أفلست الدولة ونفدت خزينتها!
محمدو ولد البخاري عابدين