خرجت غداة يوم الاقتراع مبكرا .. وكانت شوارع المدينة خالية إلا من بعض الكادحين الذين يخرجون كل صباح في مثل تلك الساعة منذ نعومة أظافرهم.
التقيت بسيدة خمسينية تلملم بعض أغراضها المشتتة على قارعة الطريق تشتت أصوات الناخبين في هذه البلاد، فقرأت في تجاعيد وجهها مجموعة قصصية تحكي واقعا أثخنته الجراح .. ساءلتها عن وطنها
فاغرورقت عيناها بالدموع، ثم قالت:
- وهل يوجد مثلي خارج أسوار “بلاد السيبة”..!
- قلت: هل صوّت بالأمس؟
- قالت: لا.. "لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين".
-قلت: وَلِم لا تصوتين ؟
-أجابت: التصويت ترف سياسي وليس للكادحين .. فالصوت أمانة أخشى أن أضيعها.
-قلت: لقد فاز المترشح (…)
-قالت: وماذا يعني لنا ذلك..!
أنا سيدة موريتانية أفنيت زهرة شبابي أعيش على الوطنية المغمسة في عرق الكادحين .. أقتات بها على رائحة شواء الوطن؛ ولم أزدد إلا تعاسة وازدراء، فآثرت الصمت والدعاء.
لقد ذبلت أفكاري واحترقت رؤاي ولم يعد يسعفني غير التوبة إلى الله من أمر لم يكن لي فيه حظ ولا نصيب.
-فقلت ما رأيك في السلطة …؟
-تململت قليلا وقالت: إنك تعلم أن السلطة والجاه موروثان اجتماعيان، وأن الطبقية من ثقافة البلد والعلمانية في غير هذا وذاك نهجه منذ “شر بب”
فلماذا السقوط في مستنقع نكران الذات..!
-قلت لقد فاز حقا (..) وانتصرت الديمقراطية.
-قالت:
فاز المترشح (…) واعتلى الكرسي أو العرش وسيبقي المواطن يكدح ويكدح لئلا ييبس ذلك العرش عساه يورق ويزهر ثم يثمر، ولكن هيهات..! فقد علمتنا التجارب أن صحراءنا لم تنبت غير الأشواك، وجسم المواطن لم يعد يحتمل مزيدا من الوخز؛ لذا فإن قليلا من الشفقة سيجعله يتفاءل بغد مشرق.
-قلت وبِمَ تحلمين مع انبلاج الصبح الجديد ..؟
-قالت:
-أحلم بالأمن والأمان الذي بات لعبة بيد غلمان من المدمنين، يعبثون به وقتما يشاؤون.
-أحلم بمدرسة جمهورية واقعية بعدما تكسرت كل الأقلام، وتكدست الكتب والدفاتر في رفوف الإهمال،
وعبثت الوزارة بكل إصلاح.
-أحلم بصحة غير معتلة خالية من الغش والتزوير ومن النكد.
-أحلم بعدالة غير عرجاء تقوم على ساقين متساويين متوازيين يستمدان قوتهما من شريعة سمحة تقوم على جلب المصالح ودرء المفاسد.
-أحلم بتنمية شاملة تمتص البطالة، وتحقق العيش الكريم لشعب ظلمه التاريخ مثلما ظلمته الجغرافيا، فانتقم لنفسه من نفسه .. وعاسر شظف العيش وتكبد آلام الحرمان عقودا من الزمن ..
-فقلت: لعلها آلام المخاض..!
“و هزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا” .
و مضيت …
الحسن ولد محمد الشيخ ولد خيمت النص