الجارة السنغال مأزومة على أكثر من صعيد؛ سياسيا هي ستعرف فى 25 فبرايرمن السنة المقبلة انتخابات رئاسية لن تمر دون حدوث ترد أمني يصعب التكهن بأمده ومداه.
الرئيس المنتهية ولايته ما كي صال-Macky Sall مارس صنوف التضييق على منافسيه المحتملين، بل وحاول إقصاءهم بكل الطرق بما فيها المتابعات القضائية: كاريم واد - Karim Wade، خاليفا صال - Khalifa Sall ، ؤوسمان سونكو- Ousmane Sonko ...
الرئيس يدرك أنه لم يرد أو يقم بإعداد خليفة له يكفيه شر معارضيه الراغبين بجلده حيا أو ميتا، والأخبار القادمة عن نظرائه تدفعه للاقتناع بقاعدة آخذة في الترسخ: أن الرئيس الآمن هو وحده الرئيس في السلطة؛
على المستوى المحلي ما كان كريم واد ليضايق لو أن والده ظل رئيسا أوأنه ورثه الرئاسة!
أبعد من ذلك ، فى الكوت دي فوار، وبعد إعلان الرئيس:آلاسان واتارا - Alassane Ouattara فى مايو 2020 عدم ترشحه للانتخابات الرئاسية المقررة فى أكتوبر من نفس السنة ، لكنه سرعان ما راجع قراره ذلك إثر وفاة مرشحه ووزيره الأول :أمادو غوون كوليبالي - Amadou Gon Coulibaly يوم 08 يوليو ،والمؤكد أن قطع طريق الوصول للسلطة على "خصومه" السياسيين كان وراء سرعة عودته في قرار عدم الترشح رغم علمه بخطر تبعات ذلك على بلاده المتميزة بهشاشة وضعها السياسي ، لولا أنه طريقه الوحيد للبقاء فى وسط يقدر واتارا ويعلم على سبيل اليقين سرعة تحوله ودرجة مناوءته لشخصه ونظامه .
فى موريتانيا الملاصقة لبلاد الرئيس ماكي صال، يخضع الرئيس الذي سلم الرئاسة لفريقه السياسي، بل ولرفيق دروبه العسكرية والمدنية والحياتية، لمتابعة قضائية يدعى عليه فيها بأفعال عقوبتها مصادرة الأموال والسجن.
ماكي صال لذلك كان حساسا اتجاه كل حديث عن شرعية ترشحه لمأمورية ثالثة؛ مصير الموظف المغمور: سوري كابي - Sory Kaba مدير إدارة السنغاليين فى الخارج بوزارة الخارجية لمجرد تصريحه فى برنامج إذاعي أن الرئيس لا يمكنه الترشح لمأمورية ثالثة، كان التجريد من وظائفه.
الوزير المستشار، و الرئيس السابق للأغلبية الرئاسية Lمتحدون بالأمل - Benno Bokk Yakaar )، مستافا دياكاتي - Moustapha Diakhaté ، لقي نفس المعاملة عندما علق على إقالة المدير بوزارة الخارجية ، منتقدا لاعتماد تلك الطريقة في التعامل مع مسألة المأمورية الثالثة!
ماكي صال كان بتلك الصرامة يحاول تأخير انفراط عقد أغلبيته تحت وطأة طموح أفراد فريقه السياسي من من يودون الترشح للوظيفة الأسمى.
السنغال رغم كونها وقعت مبكرا بتاريخ :15 ديسمبر 2008 على الميثاق الإفريقي للديمقراطية والانتخابات والحكم الذي اعتمد فى أديس أبابا، بتاريخ :30 يناير 2007، ودخل حيز النفاذ :15 فبراير 2012، لكنها لم تصادق عليه –حتى حينه- بحسب الظاهر على لائحة الدول المصادقة على الميثاق؛ وفى الخلفية أن هذا الميثاق تصف مادته 23 انتهاك مبادئ التناوب الديمقراطي على السلطة بالتغيير غير الدستوري ليس لأنه تم خرقا لدستور الدولة المعنية وإنما، كما جاء في مقدمة المادة، لأنه سيسمح بالبقاء في السلطة أكثر مما كان مقررا أصلا، حتى وإن كانت مسطرة التعديل سليمة من الناحية الدستورية.
مصادقة السنغال على ذلك الميثاق كانت لتلغي أي مبرر للاحتجاج بقرار المجلس الدستوري بشأن أهلية الرئيس عبد الله واد للترشح بعد مأموريتين فصل بينهما تعديل دستوري بتغيير مدة المأمورية الرئاسية، انطلاقا من تشابه الحالة مع حالة الرئيس ماكى صال.
تقنية عودة عداد المأموريات للصفر مع كل تعديل لعدد سنين المأمورية ليست سوى وسيلة للسماح ببقاء السلطة لأكثر مما كان مقررا أصلا، ونظرة المجلس الدستوري السنغالي للموضوع من زاوية التطبيق الفوري للنص من تاريخ صدوره مراعاة لمبدأ عدم رجعية القوانين، لن تغير في وصفها وفق المادة 23 من الميثاق بأنها:" تغيير غير دستوري "؛ لذلك فالتصامم عن المطالبات المحلية بالمصادقة على الميثاق لا تخرج عن وجود حاجات في نفس ماكى صال للبقاء لما يقضها بعد، ويتعارض تحقيقها مع المصادقة على الميثاق القاري.
في السنغال أزمة هوية وانتماء تنذر بالخراب، فقد بعثت الروح أو عادت للانتماءات الأثنية؛ كل تعيين في الوظائف السامية أصبح يخضع للمعيار والفصح الإثني، وتعاظم دور التكلور والبولار صار مصدرا تهديد للأرستقراطية الولفية المتسيدة تقليديا على مستوى العاصمة، ماليا ولغويا وثقافيا حتى أصحبت مع الوقت الوجه الذي يعرف به السنغال البلد.
بالمقابل البولار والتكلورالذين طوروا مركزهم مستفيدين من توزيع جهوي لعوائد التنمية سمح بلامركزة التعليم على كافة مستوياته ومكنهم من إحراز مستويات تحصيل علمي رفيع سمح لهم برفع سقف طموحهم بالنسبة لدورهم الوطني.
في السنغال اليوم نقاش حول مكانة اللغة الولفية وحول القيمة العددية لأهم مكونتين إثنيتين بالبلاد، وتسابق محموم لكسب الأقليات لصالح هذا المكون أوذاك، وحديث الرئيس ماكي صال عن نفسه باعتباره:" خلاصة سنغالية فأنا البولاري بثقافة سرير"، يكشف تصاعد الحس الإثني لدى السنغاليين من مختلف الملل والنحل.
الشباب السنغالي في قطيعة مع طبقته السياسية الحاكمة متمرد وثائر، وهو رغم إيجابية بعض المؤشرات والأرقام الاقتصادية يعاني البطالة.
الديمقراطية السنغالية على المحكم كما لم تختبر من قبل: وجود الطرق الصوفية مصدر تشويه، وهيمنتها تفعل أفاعيلها في النسخة السنغالية من الديمقراطية، التناوب الديمقراطي في مهب الريح بفعل تقنية عودة عداد المأموريات للصفر مع كل تعديل دستوري، إقصاء المنافسين السياسيين عبر سبلهم الأهلية الانتخابية عن طريق القضاء يمنع وجود فرص حقيقية للتناوب السلمي على السلطة، تصاعد الحس الإثني وخروجه للعلن يخلق بيئة مناوئة لإصلاح سياسي ينقذ التجربة والبلد من الانحدار لما تعيش بعض دول المنطقة.
غدا الثلثاء 16 مايو 2023 يفترض أن تبدأ محاكمة المعارض ؤوسمان سونكو، الذي على ما يبدو قرر مباشرة عصيان قضائي بتأكيده على رفض الاستدعاء للمحاكمة؛ ما يعنى المواجهة بين القوة العمومية وأنصار الرجل.
أمس قتل رجل أمن، وغدا، وخلال سير المحاكمة وعند الحكم بالإدانة، من المؤكد للأسف أن يكون هنالك قتلى آخرون؛ من الشرطة ومن أنصار سونكو.
من هذا التاريخ ولما بعد إجراء الانتخابات الرئاسية في 24 فبراير 2024 تتراءى دون مشقة تمعن مواعيد للعنف ستهدد استقرار السنغال: من أنصار المعارض سونكو من الآن فصاعدا، ثم حين يعلن ماكي صال ترشحه لمأمورية ثالثة من باقي القوى المعارضة وربما الموالية ، حين يمنع كاريم واد الترشح، ويضيق على كل المنافسين الجديين للرئيس "ميسالى"، الذي عليه أن يعرف كيف يواجه العنف الممارس ما قبل الانتخابات، ولكن عليه كذلك أن يعرف حين فوزه بها كيف سيباشر مأمورية تبدأ بالاعتراض المصحوب بالعنف على النتائج والعملية برمتها وسيطبعها لأمد غير معلوم رفض أهم القوى السياسية منحه الشرعية اللازمة لخلق وضمان سلم أهلي لا قرار بدونه.
مع اقتراب الاستحقاق الرئاسي تتلاشى فرص التهدئة والتوافق بين الفرقاء السياسيين السنغاليين، ويتأكد دخول الجارة والشقيقة متاهة عنف واضطراب ستكون كارثية على الأمن والاستقرار الذين نعمت بهما منذ الاستقلال وميزاها عن أغلب جيرانها، وحتى قاريا.
بالنسبة لموريتانيا المعنية تماما بهذا البلد هي مطالبة –إذا لم تكن فعلت ذلك قبلا -بأن تمد جسور التواصل مع أهم الفاعلين السياسيين السنغاليين، حتى تكون طرفا في كلما سيمكن من تجنب التأزيم أو الحل عند وقوعه؛ فالجار للجار والسنغال استضافت الأطراف الموريتانية عند وقوع الازمة السياسية التي أعقبت انقلاب 6 أغشت 2008.
الحكومة الموريتانية مطالبة وعلى وجه السرعة بالتفكير والتصرف بما يضمن أرواح وممتلكات الجالية هناك، فهى في عين إعصار العنف قيد التشكل سيستغل، لا محالة، من الغوغاء في أعمال نهب ضد الممتلكات الخاصة والعامة، وبشكل أساسي ضد الأجانب، وجاليتنا رغم الأخوة والجيرة، من عداد أولئك الأجانب، بل وهي منهم تحديدا كانت عرضة للتحريض ضدها من بعض الفرقاء السياسيين، كما أن ذكريات أحداث 89 بما عرفت من غياب التعويض والمساءلة بحق ما اقترف بشأنها تغري باستهدافها.
الحفاظ على أرواح وممتلكات الجالية بالسنغال دون إتيان ما قد يفسر من الشقيقة السنغال باللاودي أو يعرض علاقات البلدين للفتور مسئولية الدولة والحكومة الموريتانية، وليست بالمسئولية السهلة، لذا سيكون من واجب الأفراد والهيئات غير الرسمية العمل بدور بارز في ضمان إنجاحها وتسهيلها بفضل ما يمتلكونه من آليات ومرونة وحرية في التصرف يفتقدها عمل الجهات الرسمية المحكوم بضوابط وقواعد القانون والأعراف الدولية.