نظم الحرسُ الوطني، يوم الاثنين المنصرم، حفلا بمناسبة صدور ما سُمّيّ كتابا حول التجمع المتنقل (وحدات الجَمّالة)، ودوره ومهمته. وكم كنت مصدوما عندما علمت أن هذا العمل لم يَذكر والدي، العقيد عمر ولد ابيبكر. مع أنه لولا تصميمه وجهوده المضنية وتضحيته، ما رأى هذا التجمع النور.
يمكنني أن أفهم جيدا أن والدي جذب إليه، بمواقفه، صواعق السلطات والنظام. كما يمكنني أن أفهم أن إنجازاته الجبارة، التي من ضمنها صندوق الحرس (الذي يعلم الجميع أنه يتوجب أن يُنسب إليه)، ووحدات الجمّالة، ومتحف الحرس، وإعادة صياغة الوضع القانوني للحرس، والحفاظ على تراث الحرس، ومسائل أخرى لا شك أنني نسيتها، أجّجَت غيرةَ البعض، وأثارت حسدهم، وضاعفت غلولهم، ولربما تهللوا عندما سُجن ونُكّل به ظلمًا. فعلى مدى حياته كلها، دافع عن خياراته وقناعاته وتحمل مسؤوليتها حتى ولو خاطر، في سبيل ذلك، بمشواره.
لم يتراجع والدي أبدا أمام الصعوبات والعراقيل، رافضا باستمرار تحريف الحقيقة إرضاءً للآخرين. لقد شرّف الحرس الوطني، وساهم في تمتين عرى الوحدة الوطنية بإنقاذه لحياة سجناء ولاته، بيد أنه لم يكن حينئذ غير ملازم شاب، أو، فيما بعد، عندما انتفض ضد الظلم والافتراء غير عابئ بما يتهدد حريته الشخصية، وهو يرى أصدقاءه المقربين يبتعدون عنه، مدفوعين إما بأنانيتهم أو بجبنهم.
غير أنه لا يمكنني أن أفهم هذا التعنت على محو دور والدي، غير القابل للمحو، داخل مؤسسة الحرس الوطني العظيمة. لماذا يتواصل هذا المقت وهذا التحامل حتى بعد وفاته؟ كيف يمكننا أن نتكلم بجدية عن الحرس وعن وحدات الجمّالة دون ذكر دوره المؤسِّس، خاصة عندما يتعلق الأمر بتلك الوحدات التي ربما لم تكن لترى النور لولا صرامة عمر ولد ابيبكر؟ لماذا يحاول البعض إعادة كتابة تاريخ الحرس؟ أي بلد نسعى لبنائه إذا كان من شأنه أن يتجاهل أبناءه البواسل وتضحيات أجياله المتعاقبة؟ أية صورة سيحتفظ بها التاريخ لأولئك الذين يتجاهلون من سبقوهم أو من لا يتقاسمون معهم مواقفهم؟
سوف أعود، في القريب العاجل إن شاء الله، إلى هذه المشاريع الرائدة التي يفخر بها الحرس الوطني اليوم، وإلى تصميمها، ومن ثم تنفيذها، خاصة صندوق الحرس، ووحدات الجمّالة، والمسجد، والمتحف، وباقي إنجازات والدي، لكي أقدم للناس صنفَ الانسان الذي كانَه، دون أن أنسى المشاريع التي لم تنفذ مثل "حق البكورية" للحرس الوطني على باقي القطاعات، وإنشاء وحدة الخيّالة على طول النهر.
إنها المرة الثالثة التي يتجاهل فيها الحرس الوطني أعمال ومزايا هذا الضابط. لكن، لا تنخدعوا، إذ لا يمكنكم، مهما كان سعيكم، أن تمحُوا ذاكرة وإرث هذا الوطني، رجل الإباء، العظيم.