نشرت بالتعاون مع الباحثة ٍSandra Kloff سنة 2017 مقالا للتحذير من صيد الأعماق باستخدام الشِباك الساحبة العملاقة ،والتي تجرف الأعماق ،مما يسبب تدهورا للموائل البحرية والذي يقود بدوره لتصحر المحيط علي غرار التصحر المعروف لدينا جميعا والناجم عن تدهور الغطاء النباتي، لكن لم يخطر ببالنا ان تلك الشباك ستسبب أيضا في جرف الكابل البحري وانقطاع خدمة حيوية ونأمل اليوم ان انقطاع هذا الكابل سيشكل فرصة لتسليط الضوء علي هذه الكارثة وعليه نغتنم الفرصة لإعادة نشر المقال.
علينا تجنب تصحر كارثي آخر
نعرف جميعا ظاهرة التصحر والمآسي البيئية والإنسانية التي تعرض لها مجتمعنا ابان جفاف عقدي السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، مما تسبب في نزوح جماعي للكثير من مواطنينا الي المدن الشاطئية، لقد أتاحقطاع الصيد فرصة ثانية ثمينة لبعضهم، ونظرا لأن شواطئنا من أغنى الشواطئ بالموارد البحرية الوفيرة، وبماأن البحر لا يشبه اليابسة، فقد نعتقد بان تلك الموارد غير مُعرضة بدورها لتدهور الموارد على غرار اليابسة.
إن الحياة في اعماق البحر في منطقتنا البحرية الخالصة ZEE مهددة بشكل كبير، مما سينعكس سلبا على مواردنا البحرية، فمن المعلوم ان قطاع الصيد يعد رافدا هاما لاقتصادنا الوطني ولأمننا الغذائي لما يوفره لخزينة الدولة واسهامه في توفير مواطن الشغل من والتي يعتمد عليها اقتصادنا وأمننا الغذائي بشكل كبير، وقد حان الأوان للتحرك الفاعل لمنع تدهور كارثي آخر وربما اخير، خصوصا باننا نملتك زمام الامور هذه المرة في البيئة البحرية على خلاف التصحر على اليابسة.
إرث عالمي مخفي في مياهنا العميقة
ان التنوع البيولوجي للأعماق السحيقة فريد من نوعه، فهو ملجأ لعديد الكائنات التي تقضي فيه كامل حياتها ،او تلك التي تكتفي بفترات محددة من دورة حياتها فيه ،إن هذه البيئة البحرية في بلادنا تضم حيدا من الشعِاب المرجانية (المكافئ للغابات المدارية) ،والذي تم اكتشافه مؤخرا بفضل تقنيات الاستكشاف الحديثة ،و يبلغ طول هذا الحيد 500 كم ،ابتداء من راس تمريس وحتى جنوب نواكشوط ،إن هذا الحيد هو الطرف الجنوبي لشبكة من الشِعاب المرجانية تمتد لمسافة 4500 كم وحتى الرأس الشمالي بالنرويج ،ليكسر بذلك الرقم القياسي للحاجز المرجاني المشهور في استراليا والذي يبلغ طوله 2600 كم ، إلا أن هذا الاخير تمكن مشاهدته حتي من القمر بسبب كونه ينمو في المياه قليلة العمق، عكس حاجزنا المرجاني الذي يوجد مختبئا بعمق 500 م في بيئة مياهها باردة ومظلمة تعتمد الحياة فيها علي الغذاء المنتج في الطبقات العليا ذات الإضاءة الجيدة والمغذيات.
ان هذا الحاجز ذو البنية الكلسية، والذي يبلغ عرضه 1700 متر وارتفاعه 100 متر، والمُتشكل بفعل العمل الدؤوب لكائن المرجان على امتداد 12000 سنة، يوفر الملاذ والملجأ لكائنات عديدة مثل المحار والاسفنجيات والقشريات وبيوض الكثير من الانواع كالأخطبوط والعديد من الاسماك التي تنتشر فيه بغزارة لتختبئ عن مفترساتها.
اوقفوا تصحر المحيط: الجهد العالمي سبقنا
في عام 2005 طالب عدد من العلماء والمنظمات المدافعة عن البيئة وبعض الساسة الامم المتحدة بأجراء حظر لصيد الاعماق pêche au chalut de fond، إن تقنية الصيد الصناعي هذه تعتمد على استخدام شِباك ساحبة عملاقة(الترولة) مزودة بأوزان ثقيلة وعجلات معدنية تجرف الاعماق، حيث تجمع الاسماك والقشريات وتقضي علىالشعاب المرجانية تاركة وراءها قاعا صفصفا، يُشبِه علماء الاحياء البحرية هذا النوع من الصيد بمن يقطع الغابة للقبض على السناجب!.
كحل وسط توصلت الجمعية العامة للأمم المتحدة لقرار يتضمن لائحة بإجراءات لحماية بيئة الاعماق من مضار صيد الترولة ونذكر هنا اربعة اجراءات هامة من ذلك القرار:
•يجب على الدول ان تجري تقييمات لتأثير صيد الاعماق على البيئة البحرية؛
•يجب عليها تحريم الصيد في البيئات الهشة؛
•عليها ضمان ديمومة الموارد البحرية؛
•في حال عدم تحقق تلك الشروط تغادر الاساطيل ويحرم صيد الاعماق.
إذا كان القرار المذكور يشكل بادرة حسنة لحماية بيئة الاعماق، إلا أن تطبيقه في الواقع لم يعط النتائج المتوخاة منهاصلا، اما في موريتانيا فان اهمية بيئة الاعماق وهشاشتها غير معروفة لدي صناع القرار او الرأي العام الوطني،فلم يتخذ أي اجراء بعد اكتشاف الحاجز المرجاني والذي يتعرض لمخاطر اضافية تتعلف بآبار النفط، ومع ذلكيبقي صيد الاعماق بالشباك الساحبة هو التحدي الأكبر.
قامت اوروبا بتحريم صيد الاعماق لأكثر من 800 متر بشكل عام و400 متر للمناطق الهشة، في حين تغوص شباكاساطيلها في مياهنا العميقة كما تشاء، مسببة تدهورا فظيعا لبيئة الاعماق، كما تواصل سفن لدول عديدة الصيدفي تلك الاعماق بوسائل لا تتناسب وهشاشة بيئة الشِعاب المرجانية، إن تصحر هذه البيئة سينعكس بتراجع شديد للتنوع البيولوجي وتدهور غير رجعي لموائل وضع البيض لكائنات ذات قيمة اقتصادية كبيرة، مما سينعكس سلبا على مخزون مصائدنا من تلك الانواع الضرورية لقطاع صيدنا.
إن البيئة البحرية العميقة في بلادنا تضم تنوعا بيولوجيا هائلا لم يسبر كنهه لحد الآن، إلا هذا التنوع مهدد اليومبسبب النشاط المحموم والغير المسؤول لأساطيل صيد الاعماق، حيث تهدد بتدمير موائل تلك الكائنات، لذلك فلا بدمن سن قوانين وطنية لحماية تلك البيئة التي يمكن اعتبارها ارثا طبيعيا عالميا تجب صيانته.
خطة لإنقاذ البحر في موريتانيا
بعد دراسة مستفيضة للشعاب المرجانية الموريتانية، قام مركز بحوث علوم المحيطات الاسباني (IEO)، ومركزالبحوث الالماني Senckenberg بتقديم النصح للمعهد الموريتاني لبحوث المحيطات والصيد IMROP بتحريم صيد الاعماق بواسطة الشباك الساحبة (الترولة) في شريط يمتد بمحاذاة الشاطئ وما بين 300 الي 700 متر (انظر الصورة)، اجراء يجب القيام به بشكل استعجالي لحماية المحيط عندنا من كارثة التصحر.
الاجراءات الضرورية لحماية بيئة الاعماق
• سن قانون لحماية بيئة الاعماق كما اقترح العلماء؛
• تدعيم البحث العلمي للحفاظ على التنوع البيولوجي البحري؛
• زيادة الوعي لدي الجمهور وصناع القرار بمشكل تراجع تنوعنا البيولوجي؛
• تطوير التربية البيئية خدمة للتنوع البيولوجي؛
• السعي لإدراج شِعابنا المرجانية على لوائح الارث الطبيعي لليونسكو.
خريطة مركزي البحوث: ما بين الخطوط الحمراء يكون التحريم باتا لصيد الاعماق بالترولة، المناطق الخضراء فيسمح فيها بإجرائه < لكن بتفعيل برنامج للمحافظة مناطق انتشار النوع Lophéliaوالمحافظة ايضا على مناطق وضع البيض والتغذية لبعض الانواع عالية القيمة الاقتصادية>
الهيبة سيد الخير، مهندس باحث
ساندرا كلوف، خبيرة بيولوجيا بحرية
الصورة 1: تجمع وافر للكائنات على الحيد المرجاني الموريتاني
صورة2: منطقة اباضة وبيوض للرأس قدميات
الصورة3 : الشعاب المرجانية ملجأ للأسماك