يلاحظ المراقب للشأن السياسي في بلادنا جو التنافس الحاد الذي تعكسه الحملات الانتخابية لِلمٌرَشَحِينَ لكسب المقاعد البرلمانية والمجالس البلدية والجهوية ، وهذا التنافس يعبر في الواقع عن وعي متزايد لدى المواطنين والمٌرَشَحِينَ على حد سواء بأهمية الانتخابات وضرورة المشاركة النشطة في هذا الاقتراع . ذلك أن الانتخابات تمثل ممارسة ديمقراطية ووسيلة أساسية يمكن للأفراد من خلالها ممارسة حقهم في المشاركة في الشؤون العامة. ولذلك فإن الانتخابات النزيهة وذات المصداقية تَظَلٌ أكثر الوسائل كفاءة وفعالية لتمكين الناس من المشاركة في صنع القرار وإسماع أصواتهم. إنها تمنح المواطنين الفرصة للتعبير عن إرادتهم والمساهمة في بناء وتعزيز الديمقراطية. وإذا كانت السلطات التنفيذية ومن خلالها اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات قد اتخذت مجموعة من الإجراءات تكفل انطلاق الحملات الانتخابية في جو من المنافسة الايجابية يفضي إلى عمليات اقتراع نزيه وشفاف فإن ضمان تحقيق هذا الهدف يقتضي من جميع الفاعلين السياسيين والمدنيين ، على اختلاف مستوياتهم ومسئولياتهم ، العمل على أن تٌجْرَىالانتخابات المقبلة وفق الشروط أو بالأحرى المعايير التالية :
أولا ، أن تكون الانتخابات حرة ، تسمح بالتعبير الكامل عن الإرادة السياسية للمواطنين. وهذا ما يتطلب إيلاء اهتمام خاص للحق في حرية التعبير للفاعلين الرئيسيين: الناخبين ، الذين يعتمدون على احترام هذا الحق في تلقي معلومات كاملة ودقيقة والتعبير عن انتمائهم السياسي بعيدا عن أية إكراهات مادية أو معنوية ؛ المٌرَشَحٌونَ الذين يجب أن يكونوا قادرين على ممارسة حقوقهم من خلال الحملات الانتخابية وإيصال رسائلهم السياسية بحرية ؛ إضافة إلى المراقبين ووسائل الإعلام التي تعتمد على الحق في حرية التعبير والتنقل للعب دور أساسي في الديمقراطية ، وتحديداً إعلام الجمهور ومراقبة الأحزاب والبرامج السياسية والعمل كقوة مٌوَازَنَة في العملية الانتخابية .
ثانيا ، انتخابات نزيهة تقوم على عنصرين رئيسيين. الأول إجرائي ، ويتضمن ضمان المساواة وشمولية الاقتراع ، فضلاً عن سرية الاقتراع. العنصر الثاني موجه نحو النتائج ويٌعَرِفْالانتخابات النزيهة بأنها تلك التي تعكس وتضمن التعبير الحر عن إرادة الشعب .
ثالثا ، انتخابات خالية من مظاهر الفساد : يجب أن تضمن الدولة التحقيق في جميع قضايا الفساد أثناء وبعد المواسم الانتخابية بشكل مستقل وحيادي. يتطلب منع الفساد أيضًا شفافية تمويل الحملات والكشف عن مصادر تمويل الحملات الانتخابية ونفقاتها وضمان ولوج جميع المٌرَشَحِينَ بصفة متساوية إلى تلك التمويلات ، كما تشمل إجراءات محاربة الفساد أثناء المواسم الانتخابية المراقبة والتدقيق في أنشطة أعضاء اللجنة الوطنية للانتخابات وكل القوى السياسية ( الأحزاب ) والإدارية والأمنية المعنية بالمشاركة والإشراف على عملية الاقتراع . ولابد من الإشارة إلى أن من مظاهر الفساد أثناء الحملات الانتخابية تَحَوٌلْ الحملات الانتخابية ومهرجانات مكاتب الأحزاب السياسية المتنافسة إلى فضاءات مفتوحة للانحلال الأخلاقي ومنصات لبث خطابات الكراهية والعنصرية والتضليل ، ما يتطلب اتخاذ إجراءات مضادة لكل تلك الممارسات المتنافية مع القيم الدينية وروح الديمقراطية الحقيقية.
رابعا ، انتخابات تضمن الولوج إلى وسائل إعلام مهنية ومسئولة :
يمكن أن تؤدي المعلومات المضللة عن طريق الإعلام المرئي ووسائل التواصل الاجتماعي عموما إلى الحيلولة دون إجراء انتخابات حرة ونزيهة. إضافة إلى أن المعلومات المضللة يمكن أن تقلل من التفاهم بين الأشخاص ذوي الآراء أو الخلفيات المختلفة وتؤدي إلى تفاقم الاستقطاب ، واللعب على الصورة السلبية التي يمتلكها الناس عن الآخرين وتشويهها.
إن هذه المعايير الأربعة المذكورة سالفا تٌمَثِلٌ شروطا مٌسْبَقَة وضمانات لا غنى عنها لأي عملية انتخابية يٌرَادٌ لها أن تكون شفافة ونزيهة بعيدا عن منطق التضليل والإقصاء والتلفيق ، فهذه المعايير هي التي سَتٌضْفِي المصداقية على عملية الاقتراع وسَتٌحَفِزٌ المٌرَشَحِينَ على الوفاء بالالتزامات المتعلقة بالبرامج وَوٌعٌودِ الحملات الانتخابية ، كما ستتيح للمواطنين الموريتانيين اختيار المٌرَشَحِينَ المناسبين الذين يتمتعون بالقدرات والكفايات المطلوبة للنيابة عنهم في تدبير شؤون البرلمان والمجالس البلدية والجهوية .
الدكتور / سيدي محمد ولد يب
خبير في إدارة عمليات الاكتتاب والمسابقات