قصة ملك إنجلترا الذي هدد الفاتيكان باعتناق الإسلام

في القرن الثاني عشر، هدد ملك إنجلترا هنري الثاني الفاتيكان بالتخلي عن المسيحية واعتناق الإسلام، بسبب غضبه من توماس بيكيت رئيس أساقفة كانتربري وسعيه للضغط على البابا لإقالته وذلك بحسب كلوديا غولد التي كتبت عن هذا الأمر في مجلة بي بي سي هيستوري.

ففي ربيع عام 1168، كتب هنري الثاني، ملك إنجلترا، إلى البابا ألكسندر الثالث. وفي حين أن المراسلات بين الملك والبابا كانت مسألة طبيعية إلا أن هذه الرسالة تحديدا لم تكن طبيعية لأن هنري هدد فيها باعتناق الإسلام.

كان هنري بالفعل على دراية بالإسلام، فقد درس أعمال بيتروس ألفونسي، طبيب جده هنري الأول، الذي كتب أقدم رواية موثوقة عن النبي محمد (ص)، وكذلك بطرس المبجل، الذي أمر بالترجمة الأولى للقرآن إلى اللاتينية. 

إلى جانب الإسلام، كان هنري يتعلم اللغة العربية منذ سن مبكرة. لقد تلقى تعليما متميزا من علماء على دراية بالمعرفة "الجديدة" التي كانت تنبع من صقلية وإسبانيا والشرق الأوسط. 

ولم تشهد أوروبا الغربية أبدا مثل تلك الفترة المثيرة من الناحية الفكرية مثل القرن الثاني عشر، وهي الفترة التي أُطلق عليها لاحقا نهضة القرن الثاني عشر، والتي غذتها إعادة اكتشاف المفكرين الكلاسيكيين لليونان وروما (خاصة روما بعد تحول قسطنطين للمسيحية)، والاتصال بالعالم العربي وتقاليده الفكرية الغنية في علوم الفلك والطب والموسيقى والهندسة المعمارية والرياضيات.

وقد استعان والدا هنري في تعليمه بأفضل المعلمين في أوروبا. وكان من بينهم العالم اللغوي الشهير أديلارد من باث، الذي كان له تأثير عميق على تعليم هنري. كان أديلارد قد سافر لمدة 7 سنوات إلى إيطاليا وصقلية وأنطاكية والساحل الجنوبي لما سيصبح فيما بعد تركيا، وكرس نفسه لـ "دراسات العرب". وقد اشتهر بترجماته من العربية إلى اللاتينية، وإدخال الابتكارات العربية في الرياضيات إلى إنجلترا وفرنسا. 

واستمر اهتمام هنري بالثقافة العربية حتى بعد جلوسه على العرش حيث رحب بالعلماء العرب في بلاطه. وقد أعجب بالفنون الإسلامية كثيرا لدرجة أنه عندما بنى قصرا لعشيقته روزاموند كليفورد في وودستوك، قام بتقليد قصور صقلية حيث احتوى القصر على النوافير والساحات. وقد تم تدمير القصر في وقت لاحق، ولكن أسلوبه الغني بالزخارف العربية كان فريدا في شمال أوروبا.

وهكذا، كان هنري يعرف الكثير عن الإسلام والثقافة العربية عندما أرسل رسالته تلك في ربيع عام 1168 للبابا.

 

لكن ما مدى جدية تلك الرسالة؟

 

كان لدى الملك الكثير من التقدير للإسلام والثقافة العربية. ولكن ما الذي دفع هنري للقيام بالتهديد في المقام الأول؟ يمكن العثور على الإجابة في رسالة هنري حيث أخبر البابا ألكسندر بابا الفاتيكان أنه "سيقبل قريبا طريق نور الدين (سلطان حلب) بسبب ما يعانيه من سيطرة توماس بيكيت على كاتدرائية كانتربري".

لم يكن من غير المعتاد أن يوجه هنري التهديدات التي كانت أساسية لترسانته الملكية، ولكن هل كان هنري جادا؟ إنه لم يكن مجرد ملك إنجلترا، فقد كان أيضا دوق نورماندي وأكيتاين، وكونت مين وأنجو وتورين، ومالك مساحات شاسعة من فرنسا. كان أحد أقوى الرجال في العالم، حيث امتدت سطوته من الحدود الاسكتلندية إلى الشرق الأوسط حيث حكم أعمامه المملكة اللاتينية في القدس. بحسب مقال كلوديا غولد في مجلة بي بي سي هيستوري.

فمنذ عام 1097، كان الصليبيون الأوروبيون يقاتلون الجيوش الإسلامية في الشرق الأوسط ويتشبثون بإصرار بالأراضي التي استولوا عليها وهي مملكة القدس وإمارة أنطاكية ومقاطعات الرها وطرابلس، وكان يُنظر إلى المسلمين على أنهم أعداء العالم المسيحي.

ومن ثم لو كان هنري جادا في ذلك التهديد لكانت التداعيات في أوروبا في القرن الثاني عشر زلزالية.

لقد حدثت تحولات بين الإسلام والمسيحية خلال مئات السنين، لكن المتحولين لم يكونوا ملوكا أو ملكات. فما الذي كان سيحدث لو اعتنق هنري الثاني الإسلام؟ 

وفي الواقع لم يكن هنري الثاني يبدي اهتماما بالدين حيث انتقد المؤرخون افتقاره إلى التقوى، مدعين أنه كان يشعر بالملل في الكنيسة، فلا يجلس ساكنا.

لكن الحقيقة أنه أُعجب بالإسلام، فعلى عكس المسيحية، ليس فيه سلطة مركزية، ولا قوة فوق وطنية، حيث لا يوجد بابا مسلم يمنعه من إقالة رئيس أساقفته.

إذن من الواضح أن رغبته في أن يقيل الفاتيكان كبير الأساقفة بيكيت هي سبب ذلك التهديد.

 

كان هنري قد رفع توماس عاليا، وعينه في منصب المستشار بعد فترة وجيزة من جلوسه على العرش، وكان يُعتبر أقوى ثاني شخصية في البلاط بعد الملك.

وبعد وفاة ثيوبالد رئيس أساقفة كانتربري عام 1161، دفع الملك بيكيت المتردد إلى تولي المنصب المزدوج (المستشار الأسقف) على الرغم من تحذيرات والدة هنري الإمبراطورة ماتيلدا. 

لقد تجاهل هنري كل الاعتراضات، ولم يلتفت إلى والدته ، بل وهدد رهبان كانتربري (الذين لم يرغبوا في أن يكون توماس رئيس أساقفتهم) بغضبه إذا لم ينتخبوا مرشحه. 

كان شاغله الأساسي هو ضمان الخلافة من خلال تتويج ابنه الأكبر في حياته لتجنب إراقة الدماء لدى وفاته، كما حدث عند وفاة كل ملك باستثناء ستيفن منذ الفتح النورماندي.

وكان الحق في تتويج ملوك إنجلترا من اختصاص رؤساء أساقفة كانتربري، وتوقع هنري أن يوافق توماس بيكيت على رغبته.

لقد استمرت خلافاته مع بيكيت لسنوات طوال، وفشلت محاولة المصالحة بينهما، وعاقب بيكيت الكهنة الذين تعاونوا مع هنري. وعند سماعه ذلك، قال هنري الثاني: "ألن يخلصني أحد من هذا الكاهن الغريب؟". وقد أخذ 4 فرسان كلماته حرفيا، وقتلوا بيكيت في كاتدرائية كانتربري في ديسمبر/ كانون الأول من عام 1170.

 

بي بي سي

أحد, 30/04/2023 - 12:42