ماء.. ماء .. ماء ..! وتتلاحق الإستغاثات والصوت ينحو جهة الخفوت .. تكلّس الريق، وصار الحلق ملتهبا كشمعة رسمت طريقها نحو الأفول.
دنا الأجل ودجى الخطب، وتسارعت نبضات القلب مهددة حشاشة نفس لم تعد ترى في الأفق أملا .. ساعتها تذكرت قربة كانت معلقة في جذع شجرة في حوشنا، وقطرات باعثة للحياة تنزل بانتظام من بطنها في إناء عتيق، وضعه أبي تحتها ذات صيف حار لسقاية عصافير يتهددها العطش في كل حين.
تذكرت آبارا ما نضبت مآقيها في وجه مورديها بكرة وعشيا؛ رغم شح المنابع .. لقد كانت أسخى من حنفيات صارت كأعجاز نخل خاوية في بضع سنين .. وتذكرت كيف انخدعنا يوم دفنَّا عصب الحياة داخل تلك الآبار حين أخبرونا أن الماء سينساب رقراقا في طرقات المدينة وفوق تلالها ونجادها، وفي السهول والوهاد.
لقد كذبوا علينا. وجعلونا كمن يلهث خلف غيمة بدينة، صعدت لتوها من المحيط في رحلة الشتاء والصيف؛ لتمطر بعيدا .. بعيدا عن مضاربنا، وليس لنا من خراجها غير السراب والريح السموم.
كذبوا علينا وجعلونا كمن "شاف النّوْ وافلت قربو "
ها قد أماط شهر مارس اللثام مبكرا عن وجه عبوس جاف، وكشَّر عن أنياب متعطشة للأذى، متوعدا سكان المدينة بمزيد من العطش، في صيف بدأ مبكرا.
ورمضان على الأبواب، وعلاقته بالشركة الوطنية للماء ليست بأحسن منها بأختها في الكهرباء.
ومن المؤسف حقا أن كذبة إبريل ستزدان هذه المرة وتشحن بكل ألوان الوعود.
لقد علمتنا التجارب أنه كلما دنت الانتخابات سِيق الشعب المغلوب -وما أكثره..!- مصفدا بأمعائه نحو سياط الجيوب ومقصلة الأخلاق؛ فيرقص جوق الزيادنة على قرع النقود للضمير .. ورعاة المسرح يرقبون المشهد المؤلم في تيه وحبور.
و لكن إلى متى سنبقى -نحن- نصفق ونطمئن لمن خدعنا..!؟
أما آن لنا أن نعلم أنه كذب السياسيون ولو صدقوا ..!؟
وأن من ادعى ما ليس فيه كذبته شواهد الامتحان ..!؟
ومتى سأغتسل -أنا- من هذا الهذيان، وأسمع زقزقة العصافير حول غدير كان على مقربة من بيتنا ..!؟
و متى يفيض"بلمطار" وتؤتي السنابل أكلها لتعود المدينة شامخة شموخ "سكطار" .. هادئة هدوء "السيف" .. دافئة دفء "القديمة" نظيفة نظافة جيب المواطن من عائدات الصيد والمعادن..!
الحسن ولد محمد الشيخ ولد خيمت النص