طرح برنامج الأمالي ليس تقليدياً أبداً.
هذا ما يجب أن ندركه. فهو طرحٌ حديث، بمعنى أنه سليل رؤية حديثةٍ تنظر إلى اللغة العربية نظرةً لا نقول تقديسية، وإنمّا رسومية: مجردُ رسومٍ دوارس لا روح للإبداع فيها. وبُعد هذه الرؤية الحديثة يتمثّل في نمطِ إنتاجها وخطابها.
لم نعرِف قبلَ العصر الحديث هذه النظرة الأصولية للعربية. حينَ غدت في وهلةٍ من الصراعِ الفكريّ والسياسيّ المحموم رهاناً لمقارباتٍ إيديولوجيّة خاسرة بالضرورة.
طرحُ برنامج الأمالي ليس تقليدياً أبداً. والرؤية التي يتمثّل، ويستحضِر، ويستبدِن، للعربيّة تنفي العربية. أي أنها تتجاوزُ التاريخيّ والاجتماعي والثقافي في العربية، وتستبدِله بمواضعاتِ سيّاق معيّن حصراً، فلا يبقى من العربية إلاّ الاسم عندئذٍ. إذ الحاصلُ أن العربية، أزلياً، هي العربية. أمّا الملامح والسياقات والتثاقفات والإبداعات، فشأنٌ تافه. وبدلاً من الاعتقادِ أن هناك عربية الشعر الجاهلي، عربية القرآن الكريم، والحديث، والحقب الشعرية اللاحقة وعلومها المصنّفة، بل وعربيّة الفرق والمذاهب، وعربيّة العصر الاستعماريّ وتأثيراته، أي ما معناه وجودُ عربياتٍ عديدة بتنوع استخداماتها وصياغتها الفكريّة والتاريخيّة، يطلُّ طرح برنامج الأمالي علينا ليُكرّس رؤيةً واحديّة أحادية للعربية تقتلُ العربية ذاتها.
وللمفارقة إنّ عربيّة برنامج الأمالي تضيقُ بعربية كتابَ الأمالي ذاتها. ذلك أنّ الرؤية التي تحكمُ كتابَ القالي للعربيّة أكثرُ رحابةً من رؤيةِ سميِّه البرنامج. ولا مجالَ للمقارنة، فالقالي، عند تأليف كتابه، كانَ في الأندلس. وعربيّة أهل الأندلس قيمنةٌ بتنوعِ وثراءِ مناخهم الثقافي. إنها عربية تسعُ جميع استخداماتِ العربية، الوعظي والايروتيكي منها على حدِّ سواء، دونَ أن تضيقَ بذاتها.
لا نعرفُ القصد من هذا السعي المحموم نحو اجتثاث ثراء وتنوّع استخدام اللغة العربية، استناداً لرؤيةٍ أصولية سطحيّة، مع المطالبةِ في ذات الوقت برفعِ مكانتها في المجال العمومي. شخصياً، وعلى الرغم من دعمي السياسي والثقافي للتعريب، أجدُ نفسي عدوّاً لهذا السعي. واعتقد بجديّة أن مكانةً لم تنلها العربية، باحتواء تنوع تجارب وتواريخ استخدامها، والانفتاحِ عليها بمرونة، لن تنلها بتعريبِ فواتير الاستهلاك. وللكلام في هذا المضمارِ بقية وتتمة.