استقلت موريتانيا في سنة 1960، وخرجت من عباءة الاستعمار من دون أية بنية تحتية، ولا هياكل إدارية منتظمة، ولا حضور سياسي معلوما، بل ولا حتى هوية معروفة، فكان عليها أن تقهر تلك التحديات كلها في وقت قصير، لتسير في ركب الدول السائرة في طريق النمو.
وكان على الساسة آن ذاك أن يحددوا وجهتهم على وجه السرعة، فلم يتوانوا في ذلك، وهرولوا مسرعين إلى الوجهة العربية والإسلامية، فنزلوا بساحة جمهورية مصر العربية ليتلقوا الدرس العربي في الجامعات المصرية، والأزهر الشريف، ثم تابعوا وجهتهم ليحطوا الرحال في المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة.
وقد تلقفتهم هذه الأخيرة مبتهجة مسرورة لما تعلم من وجود عناصر التقارب إلى حد التماهي، وتجسد ذلك في وجود قائد عربي، معطاء، حكيم، هو حضرة المرحوم الشيخ زائد بن سلطان، تغمده الله برحمته الواسعة.
ومنذ ذلك الزمن، وهذا القائد الفذ، يبحث عما ينفع الناس ويمكث في الأرض لأهل موريتانيا، فقد أنفق بدون منٍّ ولا كل على المشاريع العملاقة في هذه البلاد، وانتشرت المنظمات الخيرية التي تعمل لصالح الضعفاء والمعوزين، واكتسحت البلاد مشاريع خيرية ذات منحى ديني كبناء المساجد وتعميرها من طرف مآت النساء الخيرات من مواطنات المرحوم الشيخ زايد، ولا تزال تلك النعم تعم البلاد إلى يومنا هذا.
وتجلت أيادي هذا العبقري العظيم في مشروعين كبيرين، ما زالت آثارهما سائرة حتى هذه اللحظة:
أولا اكتتاب قضاة يحكمون بالفقه المالكي، وذلك لاتفاق البلدين على هذا المذهب، كما ساعد على طباعة كتبه وإشاعتها بين الناس. وفي نفس الاتجاه جاء أئمة المساجد إلى الإمارات الحبيبة وأموا المسلمين في مساجد الإمارات كلها.
ثانيا: اكتتاب مئات الأفراد من الشرطة التي ما زالت آثارها سائرة على الأسر الموريتانية.
أما الصحة فكانت من أولوياته وفكره العبقري، الذي يداوي الفكر والجسم معا، فشيد رحمه الله مستشفاه المعروف في قلب مدينة انواكشوط، والموسوم بمستشفى الشيخ زايد.
أما الاقتصاد الموريتاني الحديث فقد شاركت الإمارات بإيعاز من سموه رحمه الله في تشغيل الشركات الكبرى في البلد، التي ساهمت بدورها في إنعاشه وخروجه إلى مصاف الأمم النامية.
وفي الجانب السياحي الترفيهي، عمد رحمه الله إلى أبنائه البررة من دول الإمارات بالذهاب إلى موريتانيا ومباشرة أعمال الصيد الترفيهية من مثل الصيد بالعقاب، أو ما يعرف عند بعضهم بالبيزرة، وهي رياضة جميلة يتقنها أهل الجزيرة العربية بعامة وأهل الإمارات بخاصة.
كل ذلك وفي عجالة سريعة، وبإيجاز مخل هو رؤية لما غرسه المرحوم الشيخ زايد وتركه إرثا لأبنائه، وما خذلوه في ذلك، فتمسكوا بتراثهم، وواصلوا تعليماته وتوجيهاته، رحمه الله.
وحضرة الشيخ زايد رحمه الله مثل أسلافه من العرب، أحب الشعر والأدب، والتراث العربي الأصيل، وأهله في موريتانيا عرفوا بذلك أيضا، فما كان منهم وهو يزور هذه البلاد، إلا أن أنشد شاعرهم شغال بن أحمد محمود وشاعر شنقيط المدينة قصيدة عصماء قال في مقدمتها:
فرحا بمقدم حضرة السلطان هتفت مشاعرنا بغير لسان
يا خير طائرة تقــــــــل مؤمرا ومعظما وأخا إلى الأوطان
ثم أبان عن الصفات الطيبة التي اتصف بها هذا القائد الفذ، فقال:
هذا ابننا البر الوفي وذا الذي غَمرت أيادي سيبه مُرِتَانَ
غمرت أياديه البلاد وأنذرت أخرى عليها منه بالطوفانِ
يا زايدا قد زدتم بمــــــــــــزاركم مُرِتَانِ إحسانا إلى إحسانِ
وأوضح الشاعر دور حضرته البارز في توحيد الإمارات، وجعلها كقبيلة الرباب عصية الانكسار، شديدة التضامن، في زمن التفرق، والتبدد:
زيدت بلادكم بكم حيويةً لما غدت مرصوصة البنيان
وهذه الخلاصة التي لا نعدها بحثا، رصينا يتمسك بالمنهج العلمي، إلا أننا نعتبره تعقيبا مبسطا على دور هذا القائد الفذ على هذه البلاد العربية القصية، ولو توفر لنا الوقت المناسب، لأشبعنا الموضوع تمحيصا، وتأصيلا. فالرجل ذو أياد بيضاء على بلدي موريتانيا.
والله من وراء القصد