بات الكرى يغازل أجفاني .. يبحث عن الهدوء في نفسي .. يقمع أحلامي و يستدرج كل الكوابيس كي تبرهن على ضعفي أمام الواقع و تفضح غفوتي مفتوح العينين وقت الصحوة في زمن الضياء .
غلبني ؛ فرأيتني أسير في متاهات لا متناهية، و ليس عندي من الزاد إلا لساني الذي ينعقد كلما حاولت تذوق طعم الريق كي أخفف من وطأة الظمأ و شدة السغب .
أسير خلف غيمة تختفي كالسراب في أفق الزمن كلما دنوت من العشرين ثلاثين، و لم تكن طريقي أملا و لا سالكة، بل موحشة، تتربص بي ذئاب أصوت في كل استحقاق لاختيار آكلي منها .
فسئمت الترقب و قلت للغيمة أمطري حيث شئت و أنى شئت ، فخراجك ليس لي و عاصفتك أخشاها فلربما تسحقني .
رأيت شبابا كان يسعى للارتقاء بنا، و حين ارتقى ارتمى في وكر العاجزين عن التعبير .
و سمعت حديث فتية أحبوا بلادهم و قد جار الزمان عليهم فانتبذوا مكانا قصيا ضاربين مشارق الأرض و ومغاربها سعيا وراء لقمة عيش ضن بها الوطن ! و رأيت آخرين عادوا للنوم ريثما ينقشع الضباب.
رأيت شعبا لايزال يقدس الخرافة و قد خدره التغني بالأمجاد الزائفة ، و آخر يتوعد المستقبل بالانتقام من ظلم التاريخ .
رأيت طفلا كعصفور مكسور الجناحين يسير في تؤدة نحو المدرسة، رث الملابس حافي القدمين ينظر إلى المستقبل بكل ريبة .. و قد خرج من أكواخ و أخبئة عشعش الثالوث الفتاك فيها ردحا من الزمن و لما يبرح المكان ( الفقر و الجهل و المرض) .
رأيت أقلاما تكسرت و سال حبرها صابا و مرا تجرعناه في لحظة انتصار إرادة السيف على القلم.
و سمعت نبض الشارع ضعيفا .. لايزال مترددا يأبى قرع كل الأسماع .
رأيت نخبة مقيدة بأمعائها، وقادة رأي أخرسهم التصفيق و التنميق و التلفيق؛ فلم يزدهم ذلك إلا رهقا .
رأيت بعض القوم يحاول الإجهاز على ما تبقى من المروءة و الإباء يردد في أذكار الصباح والمساء :
كن مصدقا لا مشككا فيما يقولون .. كن غافلا لا عاقلا لما يفعلون ..كن إنسانا بلا ضمير .
و في الجلبة سمعت مناديا ينادي أيتها العير إنكم لسارقون ، فأحببت أن يكون الصواع في رحلي و لكنها كانت أضغاث أحلام ،فليس المنادي عزيز مصر و لا أنا من إخوة يوسف .
الحسن ولد محمد الشيخ