إن تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة - في أي بلد في العالم - مرهون بتحقيق الوحدة الوطنية التي هي الضامن لاستمرار الدول وبقاء المجتمعات.
وغالباً ما تجد الدول المتعددة القوميات صعوبة في التفاهم، والتناغم، والانسجام بين مختلف مكوناتها المجتمعية وهو ما قد يؤدي أحيانا إلى فقدان الثقة بينها، والدفع بالأمور إلى الاصطفافات، والتخندقات القبلية، والعرقية الضيقة.
إلا أن هناك حالات استثنائية تم فيها ليس التغلب على تلك المشاكل فقط وإنما تم تحويلها إلى مصدر تنوعٍ وثراء وقوة محركة للتنمية والتطور والإزدهار.
في الحالة الموريتانية، يوجد تنوع عرقي ومجتمعي كبير، غير أن المشتركات الوطنية تشكل أداةً قوية، وكفيلة بدعم وترسيخ الوحدة الوطنية بين مختلف الأطياف.
في أول هذه المشتركات يأتي الدين الإسلامي الحنيف الذي يمثل أقوى رباط يربط بين الشعوب. فالأمة الموريتانيه أنعم الله عليها بنعمة عظيمة ألا وهي الإسلام الذي تحث تعاليمه على الوحدة والمحبة والاحترام بين مختلف أفراد المجتمع وتنهى عن التفرق والتباعد والتباغض...
ومنها الثقافة؛ حيث أن جميع أطياف المجتمع الموريتاني تشترك في تراث ثقافي مادي وغير مادي غني ومتنوع، سواء كان ذلك المستمد من الحضارة الإسلامية أو المكتسب عن طريق الجوار، والاحتكاك، والاختلاط بين السكان منذ قرون.
ومنها التاريخ؛ لأن مكونات الشعب الموريتاني يربطها تاريخ مشترك جذوره ضاربة في القدم، حيث تتعايش جميع المكونات في جوٍ يسوده الاحترام المتبادل وحسن الجيرة والتكافل الاجتماعي.
ويبقى من نافلة القول التنويه أن سوء الحكامة، وانعدام الشفافية، وانتشار الظلم، والغبن يشكلوا معاً معول هدمٍ يقوِّض كل مقومات الوحدة والبقاء والاستقرار، ويضع الدول والمجتمعات على حافة الهاوية.
علاوة على الخطر الذي يمثله التأثير المتنامي للتنظيمات القبلية والمنظمات والأحزاب الشعبوية، والشرائحية، والعرقية التي تتبنى خطابا سياسيا متطرفا، وعنصريا يفرق بين الناس ويحرض بعضهم على بعض.
وبناءً على ذلك، فإن الجميع مطالب بتحمل مسؤولياته في حماية وتقوية مشتركاتنا الوطنية من أجل موريتانيا قوية وموحدة، ويستوي في ذلك المجتمع المدني، والأسرة، والمدرسة، وأئمة المساجد، والحكومة، والأحزاب السياسية، ...إلخ.
وفي الأخير، فإنه لا بُدَّ من تشجيع الخطابات والمشاريع الوطنية الجامعة والتصدي للخطاب الشرائحي والعنصري، والاستثمار بقوة في المشتركات الوطنية كمنطلق لتعزيز الوحدة الوطنية.
محمد الأمين سيدي محمد