لقد كان سكوته أسلم له وللشعب الذى عانى طوال حكمه الأمرين ... كان من الأجدر له أن يختفى من الحياة السياسية ويلتزم الصمت ويعتزل فى مكان هادىء ليراجع حساباته وينتهز الفرصة لتأنيب نفسه على ما ارتكبه فى حق هذا البلد..
لكن أن يخرج علينا بعد هذا الصمت وهو يتوعد لكل من طاله بأى تشكيك فى ذمته.. فاسمحوا لى أن أسمى هذا الخروج بالجنون والتغريد خارج السرب فى الوقت الضائع لحاكم فقد نفوذه..
ولا أعرف لماذا يتخيل نفسه أنه لا يزال فى الحكم يصول ويجول ويسب هذا ويشتم ذاك ويتوعد أولئك..
عزيز هو نفس عزيز الشخصية العنيدة النرجسية . المتكبرة.. الذى كان يعتبر نفسه فوق البشر بعد تأليه العصابة التى كانت تحكم معه. فقد كان يدعى أنه ينحاز للفقراء طوال فترة حكمه.. وبعد أن انكشف أمره.. وفاحت سيرة رجاله.. وانكشفت الأرقام التى فى حوزتهم.. حاول أن يستجدى عطف ضحاياه، الذين كان يستخدمهم عنوانا فى خطبه.. فقد كان يستخدم الفقراء مانشيتات للعدالة الاجتماعية.. ما من خطاب إلا وترى الفقراء هم هدفه بعد أن أفهموه أن تلك هى الطريقة المثلى لتخدير الشعب.
لم يخرج علينا عزيز بأى جديد فى خرجته الإعلامية أكثر من أنه أدان نفسه.. لم يتعلم من أخطائه ويفهم أن الشعب هو الشعب نفسه ...وكأنه لم يفهم طبيعة الشعب الطيب المستسلم الذى ظل «يقبض» على «أنفاسه» أكثر من عشر سنين.
نذكر له حسنات فى بعض السنوات وهى الفترة الأولى من حكمه.. ونذكر له سيئات الدهر كله بعد أن جعل المال دولة بينه وبين مقربيه واهله واصهاره .. لا يزال الرجل يتعامل مع الشعب على أنه ساذج.. ولأنه شعب طيب فقد كان متوقعا أن يصدقه يوم أن يعلن عن براءة ذمته.. وأنه سيتعاطف مع المسكين، الذى كان رئيسا له على أنه لا يملك حسابات ولا عقارات فى الخارج ولا فى الداخل.. القضية الآن..
ليست قضية إبراء ذمة عزيز التى لااحد يقدر عليها لكن الذى آلمنا أن تكون لغة الخطاب عند الرجل هى نفس اللغة قبل مغادرة الحكم تحمل كبرياء وتعالياً حتى ولو كانت دفاعا عن ذمته. ولا تحمل اعتذارا عما اقترفه فى حق الشعب..
ثم لماذا خرج علينا فى هذا التوقيت بهذه الكلمة ليتوعد الكل ويحرض على الإنقلاب تأسيا بجيش مالى وبوركينافاسو وغينيا...
الحقيقة أن الرجل يعانى انفصاما قاتلا مع الواقع ويعيش فى برج عاجى من الأوهام.