ويأتيك بالأخبار من لم تزودي

في هذا المقال تتبع لما جاء في مقال "ريم " تحت عنوان "شيء يتسمى الإدارة الإقليمية"، وذلك للوقوف عند تقيمتها في سبيل إيضاح السلوك الإداري العام، و في التأريخ  للإدارة الحديثة عبر رحلة المتنقل من مكان لآخر، ثم عن  نقص مرافق الإدارة  العمومية في مجتمعنا الموريتاني في ٢٠٢٢م.

والتأريخ  للإدارة الموريتانية  في المقال، تدرج من  العنوان  الذي  اوضوح من جهة "شيئية" الإدارة، لا انسنتها،، وذلك  ربما لاظهار  هو واقع الحال، او لعدم اعتراف الكاتبة"ريم"  بأن الإدارة الإقليمية في بلادنا، لا تمثل إدارة القادرة على تقديم الخدمات العامة، كما في المجتمعات من حولنا، بما يجب ان تكون عليه، ومن اقتصر نقددها المبطن على اظهار الاختلالات الإدارية المذكورة في المقال، ما جعل الكاتبة في غنى في تقديرها عن   تقديم " النموذج" المطلوب، بل اكتفت بالاحالة الى هوية،"الإدارة الاقليمية"، للخدمات العامة، وخصوصيتها في مظاهرها، صفاتها في السلوك التنفذي، والاحتقاري، وغياب القوانين، عكس ما هو متعارف عليه في الإدارة، وفي علم الاجتماع الاداري الذي قننه علماء اهتموا بتقنين التحولات الاجتماعية، والمؤسساتية  في القرنين التاسع عشر،  والعشرين من  أمثال "ماكس فيبر" ومن جاء بعده...

 لكن وصف الإدارة   لكونها " شيء" هو  أمر عاكس، كاشف  لواقع الإدارة في مرافقها، والجديد هو تتبع تنقلها من مكان لآخر، والنواقص الملازمة لها في كل محطة،، وفي غرائبية السلوك  الانحرافي من حيث خروجه على القيم الادارية في المجتمعات المدنية التي تحكمها  القوانين العامة التي تحدد  علاقة الإداريين فيما بينهم، وبين المتلقين من المواطنين،  غير أن  واقع الحال في الادارة الاقليمية شيء آخر حسب المقال، حيث أن السلوك يين افراد  الوسط  الأداري في تعاملهم مع المرأة الإدارية، وهي من عائلة الادارة، ولو انها في" السلم الإداري  الأسفل" على حد تعبير الكاتبة..

وهذا المدخل  ليس بمعزل عن معطى آخر  غني بالدلالات التي تفتح الشهية  على قراءة، ستبقى تابعة لإيحاء  العنوان الثاني للمقال، المتصدر  في السطور الأولى،  كالاسم  الاول لكاتبة المقال، وهو  مفهوم "  الدهماء"  وكتب بخط كبير ، وفوقه صورة لطائر البطريق، وهو  من الطيور التي لا تطير، ويبقى واقفا على رجليه.. واستحضار صورة هذا الطير من بيئته في أطراف القطب الجنوبي، يطرح التساؤل حول: مفهوم "الدهماء" لغويا، وطائر البطريق الذي لم يكن الهدف منه الاستئناس به، بل استنطاق الواقع الاداري في تعامله مع  الفتاة، المرأة  الادرية التي سيجري الحديث عن السلوك السادي في التعامل معها، وتلك العلاقات الاستثنائية التي، اتضحت اكثر في المقال من جهة المقارنة الذهنية، والمقاربة بين عدم قدرة الطائر على الطيران  بجناحيه، وبقائه  بالتالي حبيس موقعه على رجليه، وبين حالة المرأة الادارية، وسجنها في الإدارة طيلة عمرها الوظيفي، وهي محرومة من أبسط حقوقها الانسانية، حتى في إيجاد مرافق عامة،  مراحيض، ثم  حرمانها من الترقية الادارية طيلة رحلة  المعاناة،  وهي  تجوس خلال ذلك  صنوف الحرمان من تسجيل اسمها على الملفات الادارية التي تعدها، وتتفانى في كتابتها، وفي الأخير سرق  الإداري المتنفذ - الأعلى في السلم الإداري- جهدها  بكتابة اسمه بدلا من اسمها، وذلك  زورا،  وتزويرا متواضعا عليه..!

ولعل القارئ، يسأل  عما علاقة مفهوم "الدهماء"  والظواهر المذكورة، كالادارية المحتقرة، والإداري المتنفذ، وعناصر  اشبه اداريين  بحكم لزومهم مهنة التنفذ، كالحارس، والبواب، وبما اوضحته  المدلولات العديدة في المعجم اللغوي لمفهوم"الدهماء"؟

فهناك ثلاثة معان، الأول يتعلق بدلالة المفهوم في الزمن،  التأريخ،  حيث تعني الدهماء:  الليلة التاسعة والعشرون في ظلامها،  من الشهر، كعمر  على شفا الانتهاء بهذا التوقيت، كلحظة حالكة العتمة...

 ؤبالنسبة للمفهوم، هو "مصدر" لمعان عديدة ، ومنها في حالة الاسمية:  ديمومة "السحنة"، الصفات للفرد، وتوظيف هذه الدلالة، كان عميق الأثر على  الحالة المأساوية للفتاة، الادارية في الإدارة الموريتانية التي تقضي فيها  عمرها الوظيفي، في اقصاء لحقوقها، ومع ذلك تبقى  في موقعها واقفة على رجليها، كطير البطريق ، لكنها لم تسكت في مقالها، حتى تكون، كهو من جهة  الموقف السلبي، بل  أشارت  الى الزوايا المظلمة، كظلام الليلة الأخيرة من الشهر حصرا لعمر الإدارية الذي ينتهي بذلك العذاب الممض، وهي في هذه الاحوال التي ذكرت في المقال الوصفي،  التقديمي لواقع الإدارة من غبن، وحرمان، وتنفذ المتحكم في المحكوم عليها بآلية السلطة المعنوية، لمدير، او مديرة، وكذلك  بمتنفذين  آخرين ذكرا، وهما أقل مكانة من الإداريين:

# -  اصحاب السلم الإداري  العالي..

 # - اصحاب الاداريالسفلي..

# - وصاحبة  السلم الأدري تحت الاسفلي، كمجال  تمت الإشارة اليه  ب" المشيأة"،  التي  واجهت فاقدي  القيم الانسانية بالخلل العام الحاصل في المرافق الإدارية وطاقمها المتنفذ،  والمدعوس عليه  بالكاد  تحت التراب، بافرازات من  العلاقات الإدارية ممثلة  بالغريزية من سلوك تحقيري ، وامتهاني،  واذلالي  للفتاة الادارية، وهنا تختفي الأسماء، ويحل محلها العمل الوظيفي ، ك"الحارس":  الذي يمارس ساديته التي يتلذذ بها، و يستنفع  من الأدارية  ببيع لها مفاتيح المراحيض،،، 

و كذلك دور" البواب":  الذي يمارس الابتزاز المالي في آخر الشهر،  والسلوك الاستعلائي طيلة الفترة السابقة على ذلك.

وفي الاسترجاع الذي يكثف المساة ، كان  في  تقديم العلاقات الغرائبية، حين  حاولت الإدارية، أن  يسعفها الراتب الوظيفي  من أجل" التكيف" مع بيئتها الإدارية، لكن  أنى  لها بما يساعدها على ذلك ماديا، وهي لا تستطيع  شراء وجبة طعام كاملة، وتكتفي مع زميلاتها بدفع مائة اوقية،  مقابل ان يغمس لهن،  صاحب المطعم  خبزهن الناشف، في المرق السمين  الذي ينعكس على الصحة  الجسمية في المظاهر  الخارجية على الارداف والاثداء، وازدواجية في الوعي  حين  تحدثن  عن الصحة في وسائل الاعلام... !

 

ولعل سلوك  الإداري الأعلى في السلم،  قدم  هو الآخر في  واحد من معان "الدهماء" لغويا في المعجم حين يشير الى  " زعيم الدَّهْماء: قائد يحصل على قوّته عن طريق المناشدة المشبوبة، والمثيرة لغضب الجماهير"،  والسلوك الإداري مع الجماهير ، ولا يختلف عنه  سلوك  الإداريين في معظم الادارات الخدمية سواء منها التعليمية، والصحية،،فالعلاقة مفارقة "صراعية" لما يظهر فيها من سوء التكيف  لسلوك  المتنفذين في الإدارة، مع مع  مجتمع الإدارة،  والأمر ذاته  نتج عنه تلك العلاقات الغضبية المكبوتة  المعبر عنها في المقالة في خصوصية الإداريين بعضهم تجاه الآخر ، كما لا تختلف عنها في الذهنية العامة، ولكن الجديد هو البوح بها من افراد عائلة الإدارة الاقليمية، و قد عانى  افراد الجمهور العام كل ما احتاج المواطن إلى الخدمة العامة، كلما عبر عن منسوب الغضب  من مظاهر السلوك غير السوي. حتى، ولو كان بعد ربع قرن..

 

.....

 

ولا شك اني  في أواخر التسعينيات، صدمت بما  شاهدت  من مظاهر التحقير، حين كنت استاذا متعاونا مع كلية الآداب في جامعة نواكشوط، وذلك حيث اخبرني احد  الزملاء، ان المكافآت المالية، بدأ صرفها على الاساتذة المتعاونين، وكانت  تعطى للاساتذة  بعد  شهرين، وتارة بعد ثلاثة اشهر،  وتصرف عن طريق مكتب المحاسب المالي للكلية،  وذهبت الى الأخير قبل نهاية الدوام الإداري، كتوقيت مضمون لملاقاة الإداريين قليلي الحضور، وكان  من المتداول بين الطلاب، والأستاذة، ان المسؤولين الإداريين، متغيبون طيلة الوقت، وأنهم يحضرون قبيل نهاية الدوام...

 لذلك  ذهبت الى المحاسب المالي، وقدمت له اسمي باعتباري استاذا في الكلية، وحضرت يحثا عن مستحقاتي، فاطلع على ورقة أمامه، وفيها  لائحة بأسماء الاساتذة،  وقال لي، ليس عندنا اسمك في اللائحة، فقلت له، لعل لائحة الاسماء لم تصلكم بعد من الاقسام التي اتعاون معها، قفال لي، هذه اسماء الاساتذة كلهم،  لكن قل لي، متى تم تعيينك ؟

فقلت له، انا استاذ متعاون مع ثلاثة أقسام في الكلية، فقال لي، اسمك ليس بين أسماء الاساتذة، لأنك،  لا تعد  من  اساتذة الكلية، اذهب  الى المكتب المالي الثاني، وادخل في الطابور  بين عمال المطبخ الجامعي، وعمال النظافة، حتى يصلك الدور لتأخذ مكافأتك، وخرجت عنه شاكرا، وامتثلت اوامره، وبعد وقت قصيرة، خرج من مكتبه، ومر بي في الطابور،، ثم رجع مسرعا، وقلت في نفسي، لعله كان يتوقع  عدم التزامي بالوقوف  في الطابور، ليقوم، هو  بتوبيخي امام جمهور الحاضرين، او بحرماني من حقوقي...!

.....

 

وقد لا يهتم أحد بالتاريخ لسوء التسيير الإداري، وتسجيل هذه المآسي الانسانية للمواطنين مهما كان المستوى المعرفي للشخص، ودون اكتراث لأي معيار، فالمواطن  أمام الأداري المتنفذ، شخص  حظه الاحتقار ،  وتظهر له  وضاعته في عيني، او سلوك الإداري ،، وذلك بسسب  افتقاد الأخير معيار  الواجب ، او غيابه  في ذهنه، ومن يحاسبه،، بينما  الاحترام مقتصر على الإداريين، او من هم  اعلى من غيرهم في السلم الإداري..!

 

         ولحسن الطالع أن  مقال" الدهماء ريم" من عنوانيه، اطلع القراء  الكرام  في المواقع الافتراضية، والرأي الوطني العام،  وكذلك  اجيال  المجتمع في المستقبل على مستوى الأداء الإداري،، وهذا جعل من المقال بلغته الراقية، ونقله الأمين، وتحليله الذي يشف عن معرفة عميقة  بالممارسة الادارية ، والتقاط الصور المعبرة في الجمل الإخبارية.

 أنه مقال يقدم  توصيفا، يستخلص منه  المؤرخ واقع الإدارة الموريتانية  بعد اثنين،  وستين عاما من الاستقلال الوطني، وكذلك واقع مكانة المرأة الإدارية في السلك  الإداري السفلي، وكذلك مظاهر  الجهل بالسلوك الإداري لدى  المتنفذ، واستلاب قيم العمل تجاه من هم أقل مكانة في المجال الخدمي،  و هزال حالة المؤسسة الادارية في  "العينة" المذكورة من مرافق الإدارة المدنية، و الحقوق المهضومة للأداري العادي الذي يستغل استغلالا بشعا، حيث  هو حروم من التأريخ لعمله الاداري بوضع اسمه على سجلات الملفات التي يقوم باعدادها، ولكن  تواضع سلوك الإدارة العمومية على سرقة جهده اثناء معاناته اليومية طيلة تاريخ وظيفته الإدارية.. 

 

وتتعاظم مأساة الإداري العادي حين يكون من جنس النساء، فالفتاة الموريتانية، قد امتهنت كرامتها، الامر الذي جعل كفاحها من أجل  الراتب الشهري ، تحول بهذه الكتابة الناقدة، الاحتجاج  الناطق في المواقع، ولجمهورها  الى مواجهة الاستبداد الاداري، وهذا من قيم  الوعي  التي تظهر تنامي  الوعي الثقافي  للانسان الموريتاني اثناء الخدمة بعد مراحل التعليم، التي انتهت  بالفتاة الموريتانية إلى نضال آخر، وكانت بصدد  ان ترفع الكفالة المادية عن الأب، او الأخ، او لتعين الزوج، او تعيل اطفالها، او والديها،، او اخوتها الصغار حين تنقطع بهم السبل بعد افتقادهم، من  كان يعيلهم، ليأتي دور  الفتاة الادارية، وقد عانت جراء ذلك الأمرين في سبيل أن تفرض وجودها، وأن تشارك في تأسيس الادارة الوطنية، باعتبار الأخيرة  واحدة من مؤسسات المجتمع المدني الحديث

سبت, 20/08/2022 - 12:00